للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقلنا أسلموا إنا أخوكم ... فقد برئت من الإحن الصدور

وقال في القرآن: {يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا} (١)، والمعنى: أطفالا" (٢).

قال الواحدي: " وسمي الصاحب رفيقا لارتفاقك به وبصحبته، ويقال للجماعة في السفر: رفقة لارتفاق بعضهم ببعض" (٣).

وأما «الرفيق»، ففيه قولان (٤):

أحدهما: أنه مأخوذ من الرفق في العمل.

والثاني: أنه مأخوذ من الرفق في السير.

قرئ: {وحسن}، بسكون السين (٥).

عن عروة بن الزبير، عن عائشة قالت: "كنت أسمع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يموت حتى يخير بين الدنيا والآخرة، قالت: وأصابته بحة في مرضه الذي مات فيه، فسمعته يقول: «مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}»، فظننت أنه خير" (٦).

عن ابن وهب، قال مالك: " سمعت ذلك الرجل -يعني عبد الله بن يزيد بن هرمز وهو يصف المدينة وفضلها-: يبعث منها أشراف هذه الأمة يوم القيامة، وحولها الشهداء أهل بدر وأحد والخندق، ثم تلا مالك هذه الآية: {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}، والآية التي بعدها" (٧).

الفوائد:

١ - أنه من ثمرة إطاعة الله والرسول مرافقة النبيين والصديقين، إذ سمّى الله تبارك وتعالى التحاكم إلى الرسول «طاعة»، وجعل عاقبتهما معية كريمة ومُقاماً كريماً في صحبة كريمة في جوار الله الكريم وحق لمن أقام هذا التحاكم على ما يريد الله تعالى، أن يرقى صُعُداً مع هذه الصحبة المباركة في الفردوس الأعلى، لأن النبيين والصّدّيقين والشهداء والصالحين هم خير من أطاع الله تعالى ظاهراً وباطناً وأقام شريعته ووحّده، فمن حذا حذوهم حُشِر معهم وصحبهم في الفردوس الأعلى من الجنة وهو طريق مفتوح لكلّ من اقتدى بهم ظاهراً وباطناً (٨).

٢ - أن السلامة تكون في الإلتزام بسنة النبي -صلى الله عليه وسلم-وتقبل وصيته وترك الفضول، ومن ثم َأَبْشِرُوا بِالْفَضْلِ والكرامة وَالْخُلُود فِي دَار المقامة مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصالحين.

٣ - أن المراد بالمعية في الآية، هو المعية من جهة رفع الحجاب، وليس المراد المعية من حيث المقام.

٤ - أن الآية دليل على أن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم تثمر الهداية، وثبات القلب عليها، ومخالفته تثمر زيغ القلب، واضطرابه، وعدم ثباته.

٥ - إن الحقوق ثلاثة:

- حق لله تعالى لا يكون لأحد من الخلق، وهو عبادة الله والرغبة إليه، وتوابع ذلك.

- وقسم مختص بالرسول، وهو التعزير والتوقير والنصرة.

- وقسم مشترك، وهو الإيمان بالله ورسوله ومحبتهما وطاعتهما، كما جمع الله بين هذه الحقوق في قوله: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الفتح: ٩].

٦ - دلت الآية على أن من جاء بالإيمان الكامل، فإن الله يتولاه بأن يخرجه من الظلمات بصرفها عنه، أو صرفه عنها، ويوفقه للنور ويثبته عليه.


(١) [سورة غافر: ٦٧].
(٢) أخرجه ابن المنذر (١٩٧٧): ص ٢/ ٧٨٣، وانظر: مجاز القرآن: ١/ ١٣١.
(٣) الوجيز: ٢/ ٧٨.
(٤) انظر: النكت والعيون: ١/ ٥٠٥.
(٥) انظر: الكشاف: ١/ ٥٣١.
(٦) أخرجه ابن ابي حاتم (٥٥٧٦): ص ٣/ ٩٩٧.
(٧) أخرجه ابن ابي حاتم (٥٥٧٩): ص ٣/ ٩٩٨.
(٨) انظر: هجر القرآن العظيم صـ ٦٣٦ إلى ٦٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>