للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: أن الملامسة باليد والإفضاء ببعض الجسد، وهو قول ابن مسعود (١)، وابن عمر (٢)، وعبيدة (٣)، والنخعي (٤)، والشعبي (٥)، وعطاء (٦)، وابن سيرين (٧)، والحكم (٨)، وحماد (٩)، وبه قال الشافعي (١٠).

والراجح أن أنّ " اللمس " في هذا الموضع، لمس الجماع، لا جميع معاني اللمس، لصحة الخبر عن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- أنه قَبّل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ (١١)، وكما قال الشاعر (١٢):

وَهُنَّ يَمْشِينَ بِنَا هَمِيسَا ... إنْ تَصْدُقِ الطَّيْرُ نَنِكْ لَمِيسَا

يعني بذلك: ننك لماسًا (١٣) (١٤).

أخرج الطبري عن عروة، عن عائشة قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ ثم يقبل، ثم يصلِّي ولا يتوضأ" (١٥). وفي رواية أخرى: " أن النبي صلى الله عليه وسلم قبَّل بعض نسائه، ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ. قلت: من هي إلا أنت؟ فضحكت (١٦).


(١) انظر: تفسير الطبري (٩٦٠٦) - (٩٦١٣): ص ٨/ ٣٩٣.
(٢) انظر: تفسير الطبري (٩٦١٧): ص ٨/ ٣٩٤.
(٣) انظر: تفسير الطبري (٩٦١٣)، و (٩٦١٦): ص ٨/ ٣٩٣ - ٣٩٤.
(٤) انظر: تفسير الطبري (٩٦١٩): ص ٨/ ٣٩٥.
(٥) انظر: تفسير الطبري (٩٦١٨): ص ٨/ ٣٩٥.
(٦) انظر: تفسير الطبري (٩٦٢١): ص ٨/ ٣٩٥.
(٧) انظر: تفسير الطبري (٩٦٢٦): ص ٨/ ٣٩٥.
(٨) انظر: تفسير الطبري (٩٦٢٠): ص ٨/ ٣٩٥.
(٩) انظر: تفسير الطبري (٩٦٢٠): ص ٨/ ٣٩٥.
(١٠) انظر: تفسير الغمام الشافعي: ٢/ ٧٠٨. قال الشافعي: " فأشبه أن يكون أوجب الوضوء من الغائط، وأوجبه من الملامسة، وإنما ذكرها موصولة بالغائط، بعد ذكر الجنابة، فأشبهت الملامسة، أن تكون: اللمس باليد، والقُبْلة غير الجنابة".
(١١) انظر: تفسير الطبري: ٨/ ٣٩٨،
(١٢) البيت ذكره الفراء في: "معاني القرآن" ٢/ ١٩٢، وقال: تمثل به ابن عباس، وذكره الحربي في "غريب الحديث" ولم ينسبه ٣/ ١١١، وانظر: البيت في "الكشف والبيان" ٣/ ٢٥ أ، "النكت والعيون" ٣/ ٤٢٧، "الجامع لأحكام القرآن" ١١/ ٢٤٧، "مجمع البيان" ٧/ ٤٩، "روح المعاني" ١٦/ ١٦٤، "تهذيب اللغة" (همس) ٤/ ٣٧٩٣، "لسان العرب" (همس) ٨/ ٤٧٠٠.
وقال شاكر في تعليقه على "تفسير الطبري" ٤/ ١٢٦: لم أعرف قائله وهو رجز كثير الدوران في الكتب. والهمس، والهميس: صوت نقل أخفاف الإبل، والصوت الخفي الذي لا غور له في الكلام، والوطء والأكل وغيرها، ولميس: اسم صاحبته، ويريد بقوله: إن تصدق الطير: أنه زجر الطير فتيامن بمرها، ودلته على قرب اجتماعه بأصحابه وأهله.
والبيت مما أنشده ابن عباس، وقد نقله عنه السيوطي في الإتقان وكثير من المفسرين، ومنهم المؤلف، ونقل صاحب (اللسان: همس) شطره الأول. وهو * وهن يمشين بنا هميسا *
قال: وهو صوت نقل أخفاف الإبل. أهـ، . وقال في أول المادة: الهمس: الخفي من الصوت والوطء والأكل. وفي التنزيل: " فلا تسمع إلا همسا ". وفي التهذيب: يعني به والله أعلم: خفق الأقدام على الأرض. وقال الفراء: يقال إنه نقل الأقدام إلى المحشر. ويقال: الصوت الخفي. وروي عن ابن عباس تمثل فأنشده * وهن يمشين بنا هميسا *.
(١٣) قوله: "لماسًا" أي، ملامسة. وكأنه جعل"اللميس" مصدرًا من"اللمس"، مثل"المسيس" مصدرًا من"المس". وهو قول غريب للطبري. بل أكثرهم يقول: "لميس: اسم امرأة"، ومعنى"امرأة لميس": هي المرأة اللينة الملمس.
(١٤) انظر: تفسير الطبري: ٨/ ٣٩٨،
(١٥) تفسير الطبري (٩٦٢٩): ص ٨/ ٣٩٦.
(١٦) تفسير الطبري (٩٦٣٠): ص ٨/ ٣٩٦.
قال السيد أحمد محمد شاكر مححقق تفسير الطبري: " الحديثان: ٩٦٣٩ - ٩٦٣٠ - عروة، في هذين الإسنادين: هو عروة بن الزبير، ابن أخت عائشة، على اليقين، خلافًا لمن زعم أنه " عروة المزني "، من اجل كلمة قالها الثوري: " ما حدثنا حبيب إلا عن عروة المزني "! فإنه إن لم يحدثه عن عروة بن الزبير، فقد حدث غيره عنه.
والحديث رواه أحمد في المسند ٦: ٢١٠ (حلبي)، عن وكيع - بالإسناد الثاني هنا - وفيه صراحة " عن عروة بن الزبير ". وكذلك جاء التصريح بأنه " عروة بن الزبير "، في رواية ابن ماجه: ٥٠٢، من طريق وكيع. فارتفع كل شك وكل إشكال.
وكلمة الثوري رواها أبو داود في سننه، عقب الحديث: ١٨٠، بصيغة التمريض: " روى عن الثوري ". ثم نقضها هو نفسه، فقال: " وقد روى حمزة الزيات، عن حبيب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة - حديثًا صحيحًا ".
والحديث رواه أيضًا أبو داود: ١٧٩، والترمذي: ٨٦ (بشرحنا) - كلاهما من طريق وكيع، به. وفيهما " عن عروة " فقط، كما هنا.
وقد أطال العلماء الكلام في تعليل هذا الحديث، وخالفهم آخرون، فأثبتوا صحته " عن عروة بن الزبير ". وهو الصواب. وفصلنا القول فيه في شرحنا للترمذي ١: ١٣٣ - ١٤٢. وأثبتنا صحته، وترجيح القول بأن " الملامسة " في هذه الآية هي الجماع، وأن لمس المرأة لا ينقض الوضوء. ولم نر حاجة لتكرار ذلك والإطالة به هنا. وانظر السنن الكبرى للبيهقي، ورد ابن التركماني عليه ١: ١٢٣ - ١٢٧، وابن كثير ٢: ٤٦٥ - ٤٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>