للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القول الرابع: أن القرآن نزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ وأن الحفظة نجمته على جبريل في عشرين ليلة، وأن جبريل نجمه على النبي صلى الله عليه وسلم في عشرين سنة. حكاه بعض المفسرين عن ابن عباس (١).

قال ابن حجر: " وهذا -أيضا- غريب" (٢).

وقال أبو شامة: " وهو قول مردود لأنه ليس بين الله وجبريل واسطة في تلقي القرآن الكريم" (٣).

وقال ابن العربي متعقبا هذا القول: "ومن جهلة المفسرين أنهم قالوا: إن السفرة ألقته إلى جبريل في عشرين ليلة وألقاه جبريل إلى محمد - عليهما السلام - في عشرين سنة وهذا باطل، ليس بين جبريل وبين الله واسطة، ولا بين جبريل ومحمد صلى الله عليهما واسطة" (٤).

وقد نقل أبو شامة في المرشد الوجيز عن تفسير علي بن سهل النيسابوري عن جماعة من العلماء أن جبريل هو من أملاه على السفرة. قال: "قال جماعة من العلماء: تنزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى بيت يقال له بيت العزة، فحفظه جبريل عليه السلام، وغشى على أهل السماوات من هيبة كلام الله فمر بهم جبريل وقد أفاقوا فقالوا: {ماذا قال ربكم قالوا الحق} [سبأ: ٢٣] يعني القرآن وهو معنى قوله: {حتى إذا فزع عن قلوبهم} [سبأ: ٢٣] فأتى به جبريل إلى بيت العزة فأملاه جبريل على السفرة الكتبة. يعني الملائكة وهو قوله تعالى: {بأيدي سفرة} {كرام بررة} [عبس: ١٥ - ١٦] " (٥).

وذهب إلى هذا المعنى من إملاء جبريل القرآن على السفرة علم الدين السخاوي في جمال القرآن في معرض حديثه عن حكمة إنزاله جملة فقال: " .. وزاد سبحانه في هذا المعنى بأن أمر جبريل عليه السلام بإملائه على السفرة الكرام البررة -عليهم السلام- وإنساخهم إياه، وتلاوتهم له" (٦) فيكون قولا خامسا.

وقد حاول ابن عقيلة المكي الإجابة عما تضمنه ذلك الخبر من عدم أخذ جبريل للقرآن من الله. فقال بعد أن ساق الخبر: "فهذا يقضي أن جبريل ما أخذه إلا عن السفرة. قلت: لا تنافي، لاحتمال أن جبريل -عليه السلام- سمعه من الله سبحانه وتعالى كما تقدم بصفة التجلي فعلمه جميعه ثم أمره الله أن يأخذه من اللوح المحفوظ فيضعه في بيت العزة عند السفرة، ثم أمر الله سبحانه وتعالى السفرة أن تنجمه على جبريل عليه السلام في عشرين ليلة لكل سنة ليلة وإنما كان التنجيم من السفرة على جبريل لما ذكره الحكيم الترمذي: إن سر وضع القرآن في السماء الدنيا ليدخل في حدها لأنه رحمة لأهلها. فأخذ جبريل عن السفرة إشارة إلى أنه صار مخصوصا بهم فلا يؤخذ إلا عنهم" (٧).


(١) انظر: الدر المنثور: ٥/ ٣٤٥، وحكاه الماوردي عن ابن عباس في النكت والعيون (٦/ ٣١١)، وابن كثير في تفسيره: ٧/ ٥٤٤، الإتقان: السيوطي: ج ١ ص ٥٤. وأخرجه - بنحوه - ابن أبي حاتم، وانظر الزيادة والإحسان (١/ ١٧٢، ٢١٨).
(٢) فتح الباري لابن حجر (٩/ ٤ - )، ونقل القسطلاني كلام ابن حجر في كتابه لطائف الإشارات (١/ ٢٢).
(٣) المرشد الوجيز: ١٩.
(٤) أحكام القرآن لابن العربي (٤/ ١٩٦١ - ) وانظر تفسير القرطبي (٢٠/ ١٣٠).
(٥)? المرشد الوجيز (٢٣)، وانظر تفسير القرطبي (٢٠/ ١٣٠).
(٦) جمال القراء وكمال الإقراء للسخاوي (١/ ٢٠).
(٧)? الزيادة والإحسان لابن عقيلة (١/ ١٧٢) بتحقيق: د. محمد صفاء حقي

<<  <  ج: ص:  >  >>