للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العهد به وبما معه من الرسالة الواردة من ذلك الجناب العزيز، فيحدث له من السرور ما تقصر عنه العبارة، ولهذا كان أجود ما يكون في رمضان لكثرة لقائه جبريل" (١).

ومنها تسليته - صلى الله عليه وسلم - ببيان ما يثبت قلبه على الحق ويشحذ عزمه للمضي قدمًا في طريق دعوته لا يبالي بظلمات الجهالة التي يواجهها من قومه، فما حصل للنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - قد حصل للأنبياء السابقين قال تعالى: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} [الكهف: ٦] {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (٣٣) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (٣٤)} [الأنعام: ٣٣ - ٣٤]، وكلما اشتد أذى المشركين للرسول - صلى الله عليه وسلم - نزلت الآيات لطمأنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتسليته، وتهديد المشركين والمكذبين بأن الله يعلم أحوالهم وسيجازيهم على ذلك أشد الجزاء، قال تعالى: {فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} [يس: ٧٦]، {وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [يونس: ٦٥]، {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} [المزمل: ١٠]، {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} [الأحقاف: ٣٥]، {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} [النحل: ١٢٧]، {وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [هود: ١١٥]، فكان لاتصال الوحي بالرسول - صلى الله عليه وسلم - وتتابع نزول الآيات عليه تسليةً له بعد تسلية تشد من أزره وتحمله على الصبر والمصابرة، وكان لذلك أبلغ الأثر في مواساته والتخفيف عنه، ولو أن القرآن نزل جملةً واحدة لكان لانقطاع الوحي بعد ذلك أثر كبير في استشعار الوحشة والغربة.

ب- ومنها تسليته - صلى الله عليه وسلم - بذكر قصص الأنبياء السابقين، قال تعالى: {وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [هود: ١٢٠]، {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [يوسف: ١١١]، {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} [الأحقاف: ٣٥].

ج- أن في التنجيم تيسيراً عليه من الله في حفظه وفهمه ومعرفة أحكامه وحكمه.

فقد نزل القرآن مفرقًا لكي يسهل حفظه وفهمه، فكانت الآيات تنزل على النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - وكان النبي يعلمها أصحابه فكلما نزلت الآية أو الآيات حفظها الصحابة، وتدبروا معانيها، ووقفوا عند أحكامها (٢) بل صار الصحابة والتابعون يعلمون من بعدهم بنفس الطريقة فصارت سنة متبعة فعن أبي العالية الرِّياحي (٣) أنه قال "تعلموا القرآن خمس آيات خمس آيات فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأخذه خمسًا خمسًا " (٤).


(١) انظر البرهان ١ ٢٣١، الإتقان ١ ١٢١.
(٢) المدخل لدراسة القرآن الكريم ٧١، مباحث في علوم القرآن ٩٥.
(٣) اسمه رُفَيْع بن مهران، من رواة الحديث، ثقة كثير الارسال، التقريب ٢١٠.
(٤) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، كتاب فضائل القرآن، في تعليم القرآن كم آية ١٠ ٤٦١، وأخرجه أبو نعيم في الحلية ٢ ٢١٩، أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (١٩٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>