للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد اجتمع للقرآن الكريم ما لم يجتمع لغيره من الكتب السابقة فاعتمد في طريقة نقله المشافهة والحفظ والكتابة والتدوين، وتعتبر مسألة المشافهة والحفظ وهي أولى مراحل الجمع، من أعظم خصيصة شرفت بها الأمة الإسلامية دون سائر الملل والنحل.

جمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

اعتبرت طريقة الحفظ (١) والمشافهة الوسيلة الوحيدة التي اعتمد عليها في جمع القرآن الكريم في العهد النبوي، فالقرآن الكريم لما نزل بروعة نظمه ونقاء ألفاظه وشدة تأثيره على العقول والمشاعر اشتد اهتمام العرب به، وخاصة الذين كانوا من السابقين إلى الإيمان به، وكانوا يترقبون كل جديد ينزل به الوحي يجمعون بين حفظه والعمل به، وهكذا اهتم جم غفير من الصحابة كالخلفاء الأربعة ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت ... بجمع القرآن الكريم وحفظه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم كلما نزل عليه شيء من الوحي أمر كتبة الوحي بكتابته فورا، سماعا من فمه ثم ينتشر ما نزل بين الناس، فكانت العلاقة بين المسلمين وكتاب ربهم هي الحفظ استنادا لما سمعوه من في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه خصيصة خص الله بها الأمة المحمدية. قال بن الجزري: «إن الاعتماد في نقل القرآن على حفظ القلوب والصدور لا على خط المصاحف والكتب أشرف خصيصة من الله تعالى لهذه الأمة» (٢).

ومع حرص الصحابة على مدارسة القرآن واستظهاره، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشجعهم على ذلك، ويختار لهم من يعلمهم القرآن، عن عبادة بن الصامت قال: «كان الرجل إذا هاجر دفعه النبي صلى الله عليه وسلم إلى رجل منا يعلمه القرآن، وكان يسمع لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ضجة بتلاوة القرآن، حتى أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخفضوا أصواتهم لئلا يتغالطوا» (٣).

وكان الصحابة يعرضون على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لديهم من القرآن حفظا وكتابة، ولم تكن الوثائق (٤) التي كتبوها في العهد النبوي مجتمعة في مصحف عام بل عند هذا ما ليس عند ذاك، وهذا يعزى إلى اختلاف قراءات الصحابة لكون القرآن أنزل على سبعة أحرف.

وقبض النبي عليه الصلاة والسلام والقرآن محفوظ في الصدور ومكتوب في الصحف، مفرق الآيات والسور، أو مرتب الآيات فقط وكل سورة في صحيفة على حدة، بالأحرف السبعة الواردة، ولم يجمع في مصحف عام، حيث كان القرآن ينزل فيحفظه القراء ويكتبه الكتبه، ولم تدع الحاجة إلى تدوينه في مصحف واحد، لأنه عليه الصلاة والسلام كان يترقب نزول الوحي من حين لآخر، وقد يكون منه الناسخ لشيء نزل من قبل، وكتابة القرآن لم يكن ترتيبها بترتيب النزول بل تكتب الآية بعد نزولها حيث يشير صلى الله عليه وسلم إلى موضع كتابتها بين آية كذا وآية كذا في سورة كذا قال الزركشي: «وإنما لم يكتب في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مصحف لئلا يقضي إلى تغييره في كل وقت، فلهذا تأخرت كتابته إلى أن كمل نزول القرآن


(١) (: المقصود به الحفظ في الصدور والسطور.
(٢): مباحث في ع. القرآن ص ١٢٣.
(٣): نفسه، ص ١٢١.
(٤) (: المقصود بها العسب والرقاع واللخاف ... التي كان يدون فيها القرآن.

<<  <  ج: ص:  >  >>