للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك القولُ عنه؛ فإنه قد يصعُبُ عليه الرجوعُ عنه إلى ما يخالفُه؛ وإن عَلِم أنه الحق، وتبيَّن له فسادُ ما قاله.

ولا سببَ لهذا الاستصعاب إلَّا تأثيرُ الدنيا على الدين؛ فإنه قد يُسوِّلُ له الشيطانُ أو النفسُ الأمَّارة أن ذلك يُنقِصُه، ويحطُّ مِنْ رُتبته، ويَخدِشُ في تحقيقه، ويَغُضُّ من رئاستِه.

وهذا تخيُّلٌ مُختلٌّ، وتسويلٌ باطل؛ فإن الرجوع إلى الحقِّ يوجبُ له من الجَلالةِ والنَّبالةِ وحُسنِ الثناء ما لا يكونُ في تصميمِه على الباطل؛ بل ليس في التصميم على الباطل إلَّا محضُ النَّقصِ له، والإزراءِ عليه، والاستصغارِ لشأنه؛ فإن منهجَ الحق واضحُ المنار، يفهمه أهل العلم، ويعرفون براهينَه ولا سيَّما عند المناظرة، فإذا زاغ عنه (١) زائغٌ تعصُّبًا لقولٍ قد قاله، أو رأيٍ رآه، فإنه لا محالةَ يكونُ عند مَنْ يَطَّلِعُ على ذلك مِنْ أهل العلم أحدَ رجلين:

إما متعصِّبٌ مجادلٌ مكابرٌ إن كان له من الفهم والعلم ما يُدرِكُ به الحق، ويُميِّزُ به الصواب.

أو جاهلٌ فاسدُ الفهمِ، باطلُ التصور إن لم يكن له من العلم ما يَتوصَّلُ به إلى معرفةِ بطلان ما صَمَّم عليه وجادل عنه.

وكلا هاذين المَطعنين فيه غايةُ الشَّين (٢).

وكثيرًا ما تجد الرجُلَينِ المُنصِفَينِ من أهل العلم قد تباريَا في مسألةٍ، وتعارضا في بحث، فبَحَث كلُّ واحدٍ منهما عن أدلةِ ما ذهب إليه، فجاآ


(١) أي: عن منار الحق.
(٢) الشين: العار.

<<  <   >  >>