للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رجوعَه عن الخطإ إلى الصواب أعظمُ في عينه، وأجلُّ عنده، وزاده ذلك رغبةً فيه ومحبةً له، وإذا استمرَّ على الغلط وصمَّم على الخطأ، كان عنده دون منزلةِ الرجوع إلى الحق بمنازل.

وهكذا التلميذُ؛ قد يخطُرُ بباله التزيُّنُ لشيخه، والتجمُّلُ عنده بأنه قويُّ الفهم، سريعُ الإدراك، صادقُ التصوُّر؛ فيَحمِلُه ذلك على الوقوف على ما قد سبق إلى ذهنه من الخطأ، والتشبُّثِ بما وقع له من الغلط.

وبالجملة، فالأسبابُ المانعةُ منَ الإنصاف لا تَخفَى على الفطِن، وفي بعضها دِقَّةٌ تحتاجُ إلى تيقُّظٍ وتدبُّر، وتتفقُ في كثيرٍ من الحالات لأهل العلم والفَهم والإنصاف.

[ميزانُ الحق: الرجوعُ إلى الدليل دومًا وأبدًا]:

فالمِعيارُ الذي لا يَزيغ: أن يكون طالبُ العلم مع الدليل في جميع مواردِه ومصادرِه؛ لا يَثنيهِ عنه شيء، ولا يحُولُ بينه وبينه حائل، فإذا وَجد في نفسه نُزوعًا (١) إلى غيرِ ما هو المدلولِ عليه بالدليل الصحيح، وأدرَكَ منها رغبةً للمُخالَفة، وتأثيرًا لغير ما هو الحق؛ فلْيَعلمْ عند ذلك أنه قد أُصيب بأحدِ الأسباب السابقة مِنْ حيثُ لا يَشعر، ووَقَع في محنةٍ؛ فإنْ عرفها بعد التدبُّر، فلْيَجتنبْها كما يَجتنبُ العليلُ ما وَرَد عليه من الأمور التي كانت سببًا لوقوعه في المرض.

وإن خَفِيت عليه العِلَّةُ التي حالت بينه وبين اتِّباعِ الحق، فلْيَسألْ مَنْ له ممارسةٌ للعلمِ ومعرفةٌ بأحوال أهله، كما يَسألُ المريضُ الطبيبَ إذا لم


(١) النُّزُوع: الميل.

<<  <   >  >>