للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(٤) وأما العامةُ الذين لم يتعلَّقوا بشيءٍ من عِلم الرأي، فهم أسرعُ الناس انقيادًا، وأقربُهم إلى القبول؛ إنْ سَلِموا مِنْ بلايا ما يُلقيهِ إليهم المتعصِّبون.

وبالجملة: فالعالِمُ المتصدِّي للإرشاد، المتصدِّي للهداية، لا يَخفَى عليه ما يَصلُح منَ الكلام مع مَنْ يتكلم معه.

فهذا هو الذي أردتُه مِنْ نشر حُجج اللَّه، وإرشادِ العباد إليها، وقد قدمتُه بأبسطَ من هذا؛ وإنما كررتُه هنا لقصدِ دفع ما سَبق من السؤال.

[السبب الثامن لتَرْك الإنصاف: الاعتماد على قواعد عقلية تخالف الكتاب والسنة]:

ومن جُملةِ أسباب التعصب التي لا يشعرُ بها كثيرٌ من المشتغلين بالعلوم: ما يذكره كثيرٌ من المصنِّفين مِنْ أنه: «يَرُدُّ (١) ما خالف القواعد المقرَّرة».

فإن مَنْ لا عنايةَ له بالبحث يَسمعُ هذه المقالة، ويَرى ما صَنَعه كثيرٌ من المصنِّفين مِنْ ردِّ الأدلة من الكتاب والسُّنة إذا خالف تلك القاعدة، فيظنُّ أنها في اللوح المحفوظ! فإذا كَشَفها وجدها في الغالب كلمةً تكلَّم بها بعضُ مَنْ يعتقدُه الناس مِنْ أهل العلم الذين قد صاروا تحتَ أطباق الثرى، لا مستندَ لها إلا محضُ الرأي، وبَحْتِ ما يُدَّعى من دلالة العقل.

وكثيرًا ما تجدُ في علم الكلام الذي يسمُّونه: «أصولَ الدين» (٢)، قاعدةً قد تقرَّرت بينهم واشتُهرت، وتلقَّنها الآخِرُ من الأول، وخَطُّوها جِسرًا


(١) أي: الدليل من الكتابِ والسُّنة.
(٢) راجع ص (٨٦).

<<  <   >  >>