يعرف علته، ولا اهتدى إليها؛ فقد يكونُ دفعُ العِلةِ بمجرد تجنُّبِ الأسباب الموقِعةِ فيها؛ كالحِمْيةِ التي يرشدُ إليها كثيرٌ من الأطباء إذا لم تكن العِلَّةُ قد استَحكمت، وقد يكون دَفعُها باستعمالِ الأدوية التي تقاومُ المادةَ الكائنةَ في البدن، وتُدافِعُها حتى تغلبَها.
وهكذا عِلَّةُ التعصب؛ فإنه إذا عَرَف سببَه أمكَنَ الخروجُ منه باجتنابه، وإن لم يَعرفْ سأل أهلَ العلم المنصِفين عن دواءِ ما أصابه مِنْ التعصب، فإنه سيجدُ عندهم من الأدوية ما هو أسرعُ شفاءًا، وأقربُ نفعًا، وأنجَعُ بُرءًا مما يجدُه العليلُ عند الأطباء.
• [غيابُ الإنصافِ يثمرُ وقوعَ الفتَن المُنكرة]:
واعلمْ أنه كما يتسبَّبُ عن التعصُّبِ مَحقُ بركةِ العلم، وذهابُ رَونقه، وزوالُ ما يترتَّبُ عليه من الثواب، كذلك يترتَّبُ عليه من الفِتن المُفضية إلى سفكِ الدماء، وهَتكِ الحُرُم، وتمزيقِ الأعراض، واستحلالِ ما هو في عصمةِ الشرع: ما لا يَخفَى على عاقل، وقد لا يخلو عصرٌ من العصور، ولا قُطرٌ من الأقطار مِنْ وقوع ذلك، لا سيَّما إذا اجتمع في المدينةِ والقرية مَذهبان أو أكثر.
وقد يقعُ من ذلك ما يُفضي إلى إحراقِ الديار، وقتلِ النساء والصبيان، كمِثلِ ما كان يقعُ بين السُّنيةِ والشِّيعة ببغداد؛ فإنهم كانوا يفعلون في كل عامٍ فِتَنًا، ويُهرقون الدماء، ويَستحلُّون مِنْ بعضهم البعض ما لا يستحلونه من أهل الذمة؛ بل قد لا يستحلونه من الكفار الذين لا ذمةَ لهم ولا عهد!.
وهذا يعرفُه كلُّ مَنْ له خِبرةٌ بأحوال الناس. ومن أراد الاطلاعَ على تفاصيل ما كان يقعُ بينهم في بغداد بخصوصها، فلْيَنظر في مثل تاريخ ابن