للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مزالقهم، وكم قد سبقك مِنْ عباد اللَّهِ إلى هذه الطريقة، وظفِر بِهذه المنزلة العَلِية! وفيهم لك القدوة، وبهم الأُسوة.

فانظر يا مسكين من قطَّعتْه السيوف، ومزَّقته الرِّماحُ من عباد اللَّه في الجهاد، فإنهم طلبوا الموت، ورغِبوا في الشهادة، والبِيضُ تُغمَدُ في الطُّلا (١)، والرِّماح تُغرَزُ في الكُلا (٢)، والموتُ بمرأًى منهم ومَسمَع، يأتيهم مِنْ أمامهم وخلفِهم، ومِن عن يمينهم وشِمالهم.

فأين أنت من هؤلاء! ولستَ إلَّا قائمًا بين ظَهرانَيِ المسلمين تدعوهم إلى ما شرعه اللَّه، وتُرشدُهم إلى تأثير كتاب اللَّهِ وسنَّةِ رسوله على محض الرأي والبدع؛ فإن الذي يُظنُّ بمثلك ممن يقوم بمقامك إن لم تنجذبْ له القلوبُ بادئَ بَدءٍ، ويتبعْه الناسُ بأول نداء: أن يستنكرَ الناسُ ذلك عليه، ويستعظموه منه، وينالوه بألسنتهم، ويُسيئوا القالةَ فيه (٣)، فيُكثِروا الغِيبة له، فضلًا عن أن يَبلُغَ ما يصدُرُ منهم إلى الإضرار ببدنه أو ماله، فضلًا عن أن يَنزِل به منهم ما نزل بأولئك! وهَبْ أنه ناله أعظمُ ما جوَّزه، وأقبحُ ما قدَّره، فليس هو بأعظمَ مما أُصيب به مَنْ قُتل في سبيل اللَّه.

* [بعضُ الأسباب الْمُعينة على القيام بالحقِّ بين الخَلْق]:

وها أنا أُرشدك على ما تستعينُ به على القيام بحُجةِ اللَّه، والبيانِ لِمَا أنزله، وإرشادِ الناس إليه، على وجهٍ لا تتعاظمُه، وتقدِّرُ فيه ما كنت تقدِّرُه من


(١) البِيض: السيوف. الطُّلا بضم الطاء: الأعناق، مفردها: «طلية»، وقيل: «طلاة».
(٢) الكُلَا: جمع «كُلْية»، والمقصود: الجُنُوب. وتكتب أيضًا بالألف اللينة «الكُلَى»، وهذا ما رجَّحتُه، واللَّهُ أعلم.
(٣) القالة: القول والكلام.

<<  <   >  >>