للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفهم إلا مَنْ عرف الفنَّ، واطَّلع على مذاهب المعتزلة والأشعرية وسائر الفرق.

[دعوةُ الْمُصنِّفِ للتمسُّكِ بهدي السَّلفِ الصالح]:

وإني أقول بعد هذا: إنه لا ينبغي لعالِمٍ أن يَدينَ بغير ما دان به السلفُ الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم؛ من الوقوفِ على ما تقتضيهِ أدلةُ الكتابِ والسُّنة، وإبرازِ الصفات كما جاءت، وردِّ عِلمِ المتشابهِ (١) إلى اللَّهِ سبحانه، وعدمِ الاعتداد بشيءٍ من تلك القواعدِ المدوَّنةِ في هذا العلم (٢) المبنيةِ على شفا جُرُفٍ هارٍ من أدلة العقل التي لا تُعقل، ولا تثبُت إلَّا بمجرد الدعاوَى والافتراء على العقل بما يطابقُ الهوى، ولا سيَّما إذا كانت مخالِفةً لأدلة الشرع الثابتة في الكتابِ والسُّنة؛ فإنها حينئذٍ حديثُ خرافة، ولُعبةُ لاعب، فلا سبيل للعِبادِ يتوصَّلون به إلى معرفةِ ما يتعلقُ بالرب سبحانه، وبالوعدِ والوعيد، والجنة والنار، والمبدإ والمعاد؛ إلا ما جاءت به الأنبياء صلواتُ اللَّه عليهم وسلامه عن اللَّه سبحانه، وليس للعقول وصولٌ إلى تلك الأمور، ومن زَعم ذلكَ فقد كَلَّف العقولَ ما أراحها اللَّهُ منه، ولم يتعبَّدْها به؛ بل غايةُ ما تُدرِكُه، وجُلُّ ما تَصِلُ إليه هو: ثبوتُ الخالق الباري، وأن هذه المصنوعاتِ لها صانع، وهذه الموجوداتِ لها مُوجِد (٣)، وما عدا


(١) المُتشابه: الذي يشتبه علمه على العباد.
(٢) يقصد المبنية على أصول المتكلمين المخالفة لما عليه السلف الطيبون.
(٣) يقصد الإمامُ مما سبق: أن الاعتماد على العقول في العقيدة؛ يخلُصُ منه العبدُ بعدَ طول نظر إلى معرفةِ أن هذا الكونَ له مُوجِدٌ وخالق! ولا شك أن هذه المعرفةَ فطريةٌ غير نظرية وإن كان اليقينُ بها يزداد بكثرة التأمل في الآيات الكونية، وإنما المقصودُ الأعظمُ من إرسال الرسل وإنزالِ الكتب هو إقامةُ توحيد الألوهية، وهو ما ضلَّ فيه أكثر الخلق، وقد بينتُ هذا في أكثر من موضع من تعليقاتي على «إحياء علوم الدين».

<<  <   >  >>