الفصل الثاني أسبابُ الوقوعِ في التعصُّب وتركِ الإنصاف
واعلمْ أن سببَ الخروج عن دائرةِ الإنصاف، والوقوعِ في موبقاتِ التعصُّب كثيرةٌ جدًّا.
• [السبب الأول: النشوءُ في بلدٍ تميز أهله بالتعصُّب الْمَذهبي]:
فمنها وهو أكثرُها وقوعًا وأشدُّها بلاءً: أن ينشأ طالبُ العلم في بلدٍ من البِلدان التي قد تمذهبَ أهلُها بمذهبٍ معين، واقتدَوا بعالِمٍ مخصوص، وهذا الداءُ قد طَبَّق في بلاد الإسلام وعمَّ أهلها، ولم يخرُج عنه إلا أفراد، قد يُوجد الواحدُ منهم في المدينة الكبيرة، وقد لا يوجد، لأن هؤلاء الذين ألِفوا هذه المذاهبَ قد صاروا يعتقِدون أنها هي الشريعة، وأن ما خرج عنها خارجٌ عن الدين، مُباينٌ لسبيل المؤمنين، ﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (٥٣)﴾ [المؤمنون].
فأهلُ هذا المذهب يعتقِدون أن الحقَّ بأيديهم، وأن غيرَهم على الخطإ والضلالِ والبدعة، وأهلُ المذهب الآخَرِ يُقابلونَهم بمِثل ذلك، والسببُ أنهم نشؤوا فوجدوا آباءهم وسائرَ قراباتِهم على ذلك، وَرِثَه الخَلَفُ عن السلف، والآخِرُ عن الأول، وانضم إلى ذلك قُصورُهم عن إدراك الحقائق بسبب التغيير الذي وَرَد عليهم ممن وجدوه قَبلَهم، وإذا وُجد فيهم من يعرف المُحِقِّين، فهو لا يستطيعُ أن ينطقَ بذلك مع أخصِّ خواصِّهِ وأقربِ قرابته