للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المخالِفون له من الغِيبةِ التي هي غايةُ ما يقدِرون عليه، ونهايةُ ما يبلُغون إليه!.

* [حكايةُ المؤلِّف بعضَ ما جرى بينه وبينَ مُعاصِريه]:

وإني أخبرُك أيها الطالبُ عن نفسي، وعن الحوادثِ الجاريةِ بيني وبين أهل عصري؛ ليزداد يقينُك، وتكونَ على بصيرةٍ فيما أرشدتُك إليه.

اعلمْ أني كنتُ عند شروعي في الطلب على الصِّفةِ التي ذكرتُها لك سابقًا (١)، ثم كنتُ بعد التمكُّنِ من البحث عن الدليل والنظر في مجاميعه أذكرُ في مجالس شيوخي ومواقفِ تدريسهم وعند الاجتماع بأهل العلم ما قد عرفتُه من ذلك، لا سيَّما عند الكلام في شيءٍ من الرأي مخالفٍ للدليل، أو عند ورودِ قولِ عالِمٍ من أهل العلم قد تمسَّك بدليلٍ ضعيف، وتَرَك الدليلَ القوي، أو أَخَذ بدليلٍ عام وبعملٍ خاص (٢)، أو بمطلقٍ وطَرَح المقيِّد، أو بمُجمَلٍ ولم يعرف المبيِّن، أو بمنسوخٍ ولم يَنتبه للناسخ، أو بأولٍ ولم يعرف بآخِر (٣)، أو بمَحضِ رأيٍ؛ ولم يبلغه أن في تلك المسألةِ دليلًا يتعينُ عليه العملُ به؛ فكنتُ إذا سمعتُ بشيءٍ من هذا لا سيَّما في مواقفِ المتعصِّبين ومجامعِ الجامدين تكلَّمتُ بما بلغَتْ إليه مقدرتي، وأقلُّ الأحوال أن أقول: «استدلَّ هذا بكذا، وفلانٌ المخالفُ له بكذا، ودليلُ فلانٍ أرجح لكذا»، فما زال أُسَراءُ (٤) التقليد يستنكرون ذلك ويستعظمونه لعدم الفهم به، وقبولِ


(١) راجع ص (٣٣).
(٢) المقصود: أنه أخَذ بدليلٍ عام، وهناك ما يخصِّصه، أو خصَّص عملًا عامًّا بلا وجهِ تخصيص، كأهل البدع الذين يخصِّصون أوقاتًا وأماكنَ بعباداتٍ لم يأذن اللَّهُ تعالى بها، واللَّهُ سبحانه أعلم.
(٣) أي: عَرف جانبًا من شيءٍ، ولم يُحِطْ علمًا ببقيته، وهذا من أعظم سبل الخطأ والزلل.
(٤) أُسَراء: جمع «أسير».

<<  <   >  >>