للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

طبائعهم له، حتى وَلَّد ذلك في قلوبهم من العداوةِ والبغضاء ما اللَّهُ به عليم.

ثم كنتُ إذا فرغتُ مِنْ أخذ فنٍّ من الفنون، أو مصنَّفٍ من المصنَّفات على شيوخي، أقبَلَ جماعةٌ من الطلبة إليَّ، وعوَّلوا عليَّ في تدريسهم في ذلك، فكان يأخذُ أترابي (١) شيءٌ من الحسد الذي لا يخلو عنه إلَّا القليل، ثم تكاثر الطلبةُ عليَّ في علوم الاجتهاد وغيرها، وأخذوا عني أخذًا خاليًا عن التعصُّب، سالمًا من الاعتساف (٢)، فكنتُ أُقرِّرُ لهم دليلَ كلِّ مسألة، وأوضِّحُ لهم الراجحَ فيها، وأصرِّحُ لهم بوجوبِ المصير إلى ذلك، وكانوا قد تمرَّنوا وعرَفوا علومَ الاجتهاد، وذهب عنهم ما تكدَّرت به فِطَرُهم من المغيِّرات، فزَادَ ذلك المخالِفينَ عداوةً وشناعةً وحسدًا وبُغضًا، وأطلقوا ألسنتَهم بذلك، وكان مع ذلك تَرِدُ إليَّ أبحاثٌ مِنْ جماعةٍ مِنْ أهل العلم الساكنين بصنعاءَ وغيرِهم من أهل البلاد البعيدةِ والمدائن النائية (٣)، فأُحرِّرُ الجواباتِ إليهم في رسائلَ مستقلةٍ، مما يُرغِّبُ تلامذتي لتحصيل ذلك، وتنتشرُ في الناس.

فإذا وَقف عليه المتعصِّبون، ورأَوه يخالفُ ما يعتقدون، استشاطَوا غضبًا، وعرَضوا ذلك على مَنْ يَرْجُون منه الموافقةَ والمساعدة؛ فمِن ثالبٍ بلسانه، ومعترِضٍ بقلمه! وأنا مصمِّمٌ على ما أنه فيه، لا أنثني عنه، ولا أميلُ عن الطريقة التي أنا فيها، وكثيرًا ما يرفعون ذلك إلى مَنْ لا علمَ عنده من رؤساءِ الدولة الذين لهم في الناس شهرةٌ وصَولة، فكان في كلِّ حينٍ يبلغُني مِنْ ذلك العجب، ويُناصحُني مَنْ يُظهِرُ لي المودة، ومَن لا تخفى عليه حقيقةُ ما أقوله


(١) الأتراب: المقاربين في السِّن. وجاء في المطبوعات بعدها: «شيئًا»!!.
(٢) الاعتساف: السير في غير الطريق الصحيح.
(٣) المدائن: المُدُن. النائية: البعيدة.

<<  <   >  >>