للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحَقَّيتُه؛ مع اعترافهم بأن ما أسلُكُه هو ما أخذه اللَّهُ على الذين حَمَلوا الحُجة، لكنهم يتعلَّلون بأن الواجب يَسقُطُ بدون ذلك، ويذكُرون أحوالَ أهل الزمان، وما هم عليه، وما يَخشَونه من العواقب، فلا أرفع لذلك رأسًا، ولا أُعوِّلُ عليه (١)، وكنتُ أتصورُ (٢) في نفسي أن هؤلاء الذين يتعصَّبون عليَّ ويُشغلون أنفسَهم بذِكري والحطِّ عليَّ: هم أحد رجلين:

إما جاهلٌ لا يدري أنه جاهل، ولا يَهتدي بالهداية، ولا يعرف الصواب. وهذا لا يعبأ اللَّه به.

أو رجلٌ متميزٌ، له حظٌّ من علم، وحِصَّةٌ (٣) مِنْ فهم، لكنه قد أَعمى بصيرتَه الحسدُ، وذهب بإنصافه حبُّ الجاه؛ وهذا لا ينجعُ فيه الدواء، ولا تنفعُ عنده المُحاسَنة (٤)، ولا يؤثِّرُ فيه شيءٌ.

فما زلتُ على ذلك، وأنا أجدُ المنفعةَ بما يصنعونه أكثرَ من المَضرَّة، والمصلحةَ العائدةَ على ما أنا فيه بما هم فيه أكثرَ من المفسدة.

ولقد اشتدَّ بَلاؤهُم، وتفاقَمت مِحنتُهم في بعض الواقعات، فقاموا قَومةً شيطانية، وصالُوا صولةً جاهلية؛ وذلك أنه وردَ إليَّ سؤالٌ في شأنِ ما يقعُ مِنْ كثير منَ المقصِّرين من الذم لجماعةٍ من الصحابة صانَهم اللَّهُ، وغَضِب على من يَنتهكُ أعراضَهم المصونة، فأجبتُ برسالةٍ ذكرت فيها ما كان عليه أئمةُ الزيدية (٥) من أهل البيت وغيرهم، ونقلتُ إجماعَهم من طُرق، وذكرتُ


(١) أعوِّل: أعتمد. والمقصود: لم ألتفت إليه.
(٢) أتصوَّر: أعتقد وأعلم.
(٣) الحِصَّة: القِسْم.
(٤) المُحاسنة: المخاطبة بالحُسنى.
(٥) الزيدية: فرقةٌ من فِرق الشيعة، تُنسب إلى «زيدِ بن عليِّ بن الحسن بن عليِّ بن أبي طالب» ، كان الزيدية يَرون أن «زيدَ بن عليٍّ» أحقُّ بالإمامة من أخويه محمد وعمر، وقد قسَّمهم الشيخ أبو زهرة إلى قسمين:
١ - المتقدِّمون منهم، المتَّبِعون لأقوال زيدٍ ، وهؤلاء يعترفون بإمامةِ الشيخين أبي بكر وعمر . وبذلك فهم مِنْ أقرب الفرق لأهل السُّنة والجماعة.
٢ - المتأخِّرون منهم، وهؤلاء يُعَدُّون من الرافضة؛ إذ يرفضُون إمامةَ الشيخين أبي بكر وعمر ، ويسبُّونَهما، ويكفِّرون مَنْ يرى خلافتهما.
* انظر: «فرق معاصرة تنتسب للإسلام»، للشيخ غالب عواجي (٢/ ١٩٦) فما بعد.

<<  <   >  >>