للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جميع المسائل، ويظنُّون أنها من قواعدِ الشرع الثابتة بقطعيَّاتِ الشريعة! ومَن كَشف عن ذلك وجد أكثرَها مبنيًّا على محض الرأي الذي ليس عليه أثارةٌ من علم، ولا يَرجع إلى شيءٍ من الشرع.

ومَن خَفِي عليه هذا، فلْيعلم أن قُصورَه وعدَم اشتغاله بالعلم هو الذي جنى عليه، وغَرَّه بما لا يَغترُّ به مَنْ عضَّ على العلم بناجذه، وكَشَف عن الأمور كما ينبغي. فعلى من أراد الوصولَ إلى الحق، والتمسُّكَ بشِعارِ (١) الإنصاف، أن يكشف عن هذه الأمور؛ فإنه إن فعل ذلك هان عليه الخطبُ، ولم يَحُل بينه وبين الحق ما ليس منَ الحق.

[السبب التاسع لتَرك الإنصاف: الاعتماد على كتب الْمُتعصِّبين]:

ومِن أسباب الوقوع في غير الإنصاف والتمسُّكِ بذَيلٍ من الاعتساف: أن يأخذ طالبُ الحقِّ أدلةَ المسائل من مجاميع الفقهِ التي يعتزي (٢) مؤلفُها إلى مذهب من المذاهب؛ فإن مَنْ كان كذلك يُبالغ في إيراد أدلةِ مذهبه، ويُطيلُ ذَيلَ الكلام عليها، ويصرِّحُ تارةً بأنها «أدلةٌ»، وتارةً بأنها «حُجج»، وتارةً بأنها «صحيحة»، ثم يطفِّفُ (٣) لخَصمه المخالِفِ؛ فيُورِدُ أدلتَه بصيغةِ التمريض، ويُعنْوِنُها بلفظِ: «الشُّبَه» (٤)، وما يؤدي هذا المعنى.

فإذا اقتصر طالبُ الحقِّ على النظر في مِثل هذه المؤلَّفات، وَقع في الباطل وهو يظنُّه الحق، وخالَف الحق وهو يظنه الباطل! والذي


(١) الشِّعار: الثوب. وله عدة معانٍ؛ لعل هذا أقربُها هنا، واللَّهُ أعلم.
(٢) يعتزي: ينتسب.
(٣) يُطفِّف: ينتقص.
(٤) الشُّبهة: ما يظنُّه الإنسانُ دليلًا وليس كذلك.

<<  <   >  >>