للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما من جاء بما يَقتضي تعديلَ الموافق وجَرْح المخالف؛ فهذا مما ينبغي التوقُّفُ فيه حتى يُعرفَ من طريقٍ غيره، أو يُشتَهرَ اشتهارًا يقبله سامعه.

[السببُ الحادي عشر لتَركِ الإنصاف: الْمُنافسةُ بين الْمُتقاربين في الفضل والْمنزلة]:

ومن الأسباب المانعة من الإنصاف: ما يقعُ من المنافسة بين المتقارِبين في الفضائل، أو في الرئاسةِ الدينية أو الدنيوية؛ فإنه إذا نَفخ الشيطانُ في أنفِهما، وترقَّت المنافسةُ، بلغت إلى حدٍّ يَحمل كلَّ واحدٍ منهما على أن يرُدَّ ما جاء به الآخرُ إذا تمكَّن من ذلك، وإن كان صحيحًا جاريًا على منهج الصواب (١).

وقد رأينا وسمِعنا مِنْ هذا القبيل عجائبَ؛ صَنَع فيها جماعةٌ مِنْ أهل العلم صَنيعَ أهل الطاغوت (٢)! وردُّوا ما جاء به بعضُهم من الحق، وقابلوه،


(١) يقول الشيخ الفاضل محمود الخزندار حفظه اللَّه: «يكونُ من التنافُسِ بين أهلِ العلمِ المتعاصرينَ ما لا يكونُ بين معاصرٍ وقديم، ويكون بين المتقاربينَ في المنزلةِ ما لا يكونُ بين المُتباعدينَ فيها، ويكونُ بين أهل البلدةِ الواحدةِ أو الفنِّ الواحدِ ما لا يكونُ بين غيرهم؛ وحين يتمثل التنافُسُ في صورةِ الازدياد من الخير والتعاون والتناصحُ في أجواءِ الأُلفة؛ فذلك مَظهَرُه المحمود؛ غيرَ أن هذا التنافسَ بين أهل الفضل يخرجُ إلى صورٍ قبيحةٍ مذمومةٍ حين يؤولُ إلى تحاسدٍ وتباغُضٍ وتجريحٍ وتشكيك، وبسبب ضعفِهم البشري يَهبطون أحيانًا إلى هذه المستوياتِ فيما بينهم، ثم إذا ما تجاوَزْتَ وَجهَ الخلاف بينهم وجدتَ كُلًّا منهم على دِينٍ وخُلقٍ وعلمٍ وصلاح؛ غير أنها الغَيرة!». «فقه الائتلاف قواعد التعامل مع المخالف بإنصاف» (١٤٧ دار طيبة). وهذا الكتاب جديرٌ بكل طالب علم قراءته غيرَ مرة.
(٢) الطاغوت: الذي جاوز حدَّه في الطغيان. وله معانٍ عدة. انظر رسالة: «الطاغوت في القرآن الكريم»، للشيخ الفاضل: علاء بكر.

<<  <   >  >>