للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكنَّ العجبَ من جماعةٍ لا حظَّ لهم في شيءٍ من ذلك، ولهم حظٌّ من العلم، ونصيبٌ من الورع، متكِئين على أرائكهم، عاكفينَ على دفاترهم، صاروا يُنكرون من هذا الأمر ما يَعمَلون أنه مخالفةٌ لقطعيَّاتِ الشريعة، مع علمهم بحُكم مَنْ خالفها، واعترافِهم بأن هذا هو الحقُّ الذي اتفقت عليه الكتبُ المُنزَّلةُ والرسلُ المرسَلة، لكنهم يتركون تدبيرَ الشرع، ويعُودون لتدبير الدولة وما يُصلحهم ويَصلُح لهم، حتى كأنهم من أهل الولايات، ومِن القابضين للجبايات! وظَهر ما عندهم، وتكلَّموا به للناس، حتى اعتقد مَنْ لا حقيقة لديه من العامة، ومَن يلتحقُ بهم مِنْ أصحاب الدولة ومَن شابَههم: أني أرشدتُ إلى خطأ، وأمرتُ بمنكر، فاجتمع مِنْ جميع ما قدمتُ ذِكرَه تشوُّشُ خاطرِ الإمام، ومَن له رغبةٌ في شرائع الإسلام.

فتوقف الأمر، ولم يُنفِذْه مَنْ يقدرُ على التنفيذ ممن له رغبةٌ فيه، ووَجد أعداءُ اللَّه من الظَّلَمة المجال، فبالغوا في المخالفةِ والمدافعةِ والمحاولةِ والمصاولة؛ فاسمع هذه الأعجوبة، واعتبر بها، وإني لا أشكُّ أن اللَّه سبحانه مُنفِذٌ شرعَه، وناصرٌ مَنْ نصره، وخاذلٌ مَنْ خذله، ومُتمُّ نورِه على رغم أنف من أباه، ولكن للباطل صَولة، وللشيطان جَولة، حتى يَقِرَّ الحقُّ في قراره، ويتمَّ منَ العدل ورفعِ الظلم ما أمر اللَّهُ به، ومن رام أن ينصُرَ باطلًا أو يدفعَ حقًّا، فهو مركوس (١)، من غير فرقٍ بين رئيسٍ ومرؤوس، وإذا جاء نَهرُ اللَّهِ بَطَل نَهرُ مَعقِل، وعند عزائم الرَّحْمن يندفعُ كيدُ الشيطان.

[(٢) القياس]

وأما القياسُ، فاعلم أنه قد رسمه أهلُ الأصول بأنه: «مساواةُ أصلٍ للفرع


(١) مركوس: فاسد العقل والفهم. وأصل الكلمة من انقلاب الشيء على رأسه.

<<  <   >  >>