للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في عِلة حُكمه». ثم شرَطوه بشروطٍ، وقيَّدوه بقيود، وهى معلومةٌ عند مَنْ يعرفُ الفن، لكنهم توسَّعوا في هذه المساواة، وأثبتوها بأمورٍ هي مجرد خيال، ليس على ثبوته أثارةٌ من علم.

وبيانه: أنهم جعلوا مسالكَ العلة أنواعًا، فأكثرُ ما قيل: إنها عشرة، ثم جميعُ هذه المسالك إلَّا القليل هي بحتُ الرأي، ومحصَّلُ الدعاوى المجردة؛ فعليك أن تضعَ قدمَك موضعَ المنع، وتقومَ في مقام الإنكار، حتى يوجبَ عليك المصيرُ إلى شيء منها ما لا يُقدَرُ على دفعه، ولا يُشَكُّ في صحته، كمَسلك النصِّ على العِلَّة (١)، ومَسلكِ القطع بانتفاءِ الفارق (٢)، ومِثلُ هذا فحوى الخطاب (٣)، وما شابَهَ هذه الأمور.

وإياك أن تُثبت أحكامَ اللَّهِ بخيالاتٍ تقعُ لكَ أو لعالِمٍ مثلِكَ مِنْ سابق الأمة أو لاحقِها؛ فإن عليك من الوِزر والوبالِ ما قدمنا ذِكرَه في هذا الكتاب.


(١) أي: بأن ينصَّ الشرع على العلةِ صراحةً؛ مثل قوله : ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾ [البقرة: ١٤٣]، وقوله ﷿: ﴿مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ﴾ [الحشر: ٧]. وغير ذلك.
(٢) وهو ألَّا يكون هناك فرقٌ بين الفرع المسكوت عنه وبين الأصل المنصوص عليه، كفحوى الخطاب الآتية مباشرةً.
(٣) فحوى الخطاب: تَساوي المسكوتِ عنه مع المنطوق في الحكم؛ فمثلًا نصَّ رب العالمين على حُرمة أكل مال اليتيم في قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا﴾ [النساء: ١٠]، فهذا يدلُّ على حرمة إحراقِه أيضًا؛ إذ الكل إتلاف محرَّم. وفحوى الخطاب يسمى أيضًا: «مفهوم الموافقة، لحن الخطاب، القياس الجلِيَّ، التنبيه». انظر: «معالِم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة»، للشيخ الجليل محمد بن حُسين الجيزاني (٤٥٠ ط: دار ابن الجوزي).

<<  <   >  >>