للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفصل الأول إرشاداتٌ وأصولٌ عامَّة

وإني أتصورُ الآن أن الكلامَ بمعونة اللَّه ومشيئته لابدَّ أن يتعدَّى إلى فوائدَ ومطالبَ ينتفعُ بها المنتهي كما ينتفعُ بها المبتدي، ويحتاجُ إليها الكاملُ كما يحتاجُ إليها المقصِّر، يُعِدُّها المتحقِّقون بالعِرفان من أعظم الهدايا.

[إصلاحُ النية]:

فأولُ ما يجبُ على طالب العلم: أن يُحسِّنَ نيَّته، ويُصلِحَ طَوِيَّته (١)، ويَتصورَ أن هذا العملَ الذي قَصد له والأمرَ الذي أراده هو الشريعةُ التي شرعها اللَّهُ سبحانه لعباده، وبَعَث بها رُسُلَه، وأنزل بها كُتبَه، ويجرِّدُ نفسه عن أن يَشوبَ ذلك بمقصدٍ من مقاصد الدنيا، أو يَخلِطَه بما يكدِّرُه من الإرادات (٢) التي ليست منه، كمن يريدُ به الظفرَ بشيءٍ من المال، أو يصلَ به إلى نوعٍ من الشرف، أو البلوغَ إلى رئاسةٍ من رئاساتِ الدنيا، أو جاهٍ يحصِّلُه به؛ فإن العلمَ طيبٌ لا يقبل غيره، ولا يحتمل الشِّرْكة، والروائحُ الخبيثةُ إذا لم تَغلب على الروائح الطيبة، فأقلُّ الأحوال أن تُساويَها، وبمجردِ هذه المساواة لا تبقى للطيب رائحةٌ، والماءُ الصافي العذبُ الذي يستلذُّهُ شاربه كما يكدِّره الشيءُ اليسير من الماء المالح؛ فضلًا عن غير الماء من القاذورات: يُنقِصُ لذتَه


(١) الطويَّة: خبايا النفس.
(٢) الإرادات: النيات.

<<  <   >  >>