للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

دليلٌ شرعي، ويفتري على الشرع ما ليس منه، وعلى اللَّه ما لم يَقُلْه؟!.

وبالجملة: تِبيانُ فسادِ هذا لا يحتاجُ إلى إيضاح، وأفهامُ البشر وإن بلغت في الضَّعف أيَّ مبلغ، وقاربت أفهامَ الدواب فهي لا تطلبُ البرهانَ على بطلان هذا الهذيان، ولو احتاج محتاجٌ إلى الاستدلال على بطلان هذا الباطل، لزمه أن يدفعَ فِريةَ كلِّ مُفترٍ على اللَّه، وللَّهِ درُّ الإمام الشافعيِّ حيث يقول: «مَنْ استحسن فقد شَرَع».

[(٤) الاجتهاد]

وأما الاجتهاد، فقد رسموه بأنه: «استفراغُ الفقيهِ الوُسعَ لتحصيل ظنٍّ (١) بحكمٍ شرعيٍّ».

ولا شكَّ أن هذا الظنَّ الكائنَ بعد الاستفراغ وإن تعبَّدَ اللَّهُ به ذلك المستفرِغ؛ لكونه فرَضه عند فَقدِ الدليل، كما تقدَّم البحثُ عن هذا والاستدلالُ عليه، لكنَّ الشأنَ في كونِ هذا الظنِّ حُجةً على أحدٍ من عباد اللَّه ممن لم يقعْ له هذا الظن، ولا تقدَّم له استفراغُ الوُسع؛ فإن الحجَّةَ الشرعيةَ ليست ظنونَ بعض المكلَّفين بالشرع المتعبَّدين به على البعض الآخر، ولا جاء في الشريعة حرفٌ واحدٌ مما يُفيد هذا ويدلُّ عليه؛ بل صرَّح الكتابُ العزيز بالنهي عن اتباعِ الظن، وأنه لا يُغني من الحق شيئًا، وأن بعضه إثمٌ؛ وهذه الأدلةُ الكليةُ توجبُ على الإنسان ألَّا يعملَ بظنه في شيءٍ كائنًا ما كان؛ إلَّا ما خصَّصه الشرع، فكيف بظنِّ غيره (٢)؟.


(١) يعني الظن الغالب بالحكم عند هذا المجتهد.
(٢) وإنما قصد المصنف مما سبق أن الأمور الاجتهادية التي لا وجود للدليل القاطع فيها لا يحلُّ أن يُلزمَ بها العبادُ لمجرد أنه قد انتهى إليها عالِمٌ؛ لأن غيره من أهل العلم قد يجتهد في نفس تلك المسائل، ويصل فيها لغير ما وصل إليه السابق؛ فحينئذٍ تكون تلك الاجتهادات لازمةَ العمل عند من قنع بها وظنها الحق؛ لكن لا يَلزمُ بها الآخرين، ويجعلها كأنها قرآنٌ منزَّل. واللَّهُ تعالى أعلى وأعلم.

<<  <   >  >>