للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يَهدِيَ اللَّهُ بك على يديك رجلًا … » الحديث (١).

وإن لم يَقبل منه، كان قد فعل ما أوجَبَ اللَّهُ عليه، وخَلَّص نفسه من كَتْم العلم الذي أمره اللَّهُ بإفشائه، وخَرج من ورْطةِ أن يكونَ من الذين يكتمُون ما أنزل اللَّهُ من البيِّنات والهدى، ودَفَع اللَّهُ عنه ما سوَّلته (٢) له نفسُه الأمارةُ من الظنون الكاذبة والأوهامِ الباطلة، وانتهى حالُه إلى أن يكونَ كَعبُه الأعلى، وقولُه الأرفع، ولم يَزِدْه ذلك إلَّا رفعةً في الدنيا والآخرة، وحظًّا عند عبادِ اللَّه، وظَفَرًا بما وَعَد اللَّهُ به عبادَه المتقين، وهم (٣) وإن أرادوا أن يَضَعُوه بكثرة الأقاويل، وتزويرِ المطاعن، وتلفيقِ العيوب، وتواعدوه بإيقاعِ المكروه به، وإنزالِ الضرر عليه؛ فذلك كلُّه ينتهي إلى خلافِ ما قدَّروه، وعكسِ ما ظنُّوه، وكانت العاقبةُ للمتقين، كما وَعد به عبادَه المؤمنين، ﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾ [فاطر: ٤٣]، ﴿فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (١٩٣)[البقرة].

* [ذِكرُ بعض الأئمَّةِ الذين أُوذُوا بسبب اتِّباعِهمُ الدليل]:

ولقد تتبعتُ أحوالَ كثيرٍ من القائمين بالحق، المبلِّغين له كما أمر اللَّهُ، المرشِدين إلى الحق، فوجدتُهم يَنالون من حُسن الأُحدوثة (٤)، وبُعد الصِّيت، وقوةِ الشهرة، وانتشارِ العلم، ونَفَاقِ (٥) المؤلَّفات وطيرانها وقبولها في الناس ما لا يَبلغُه غيرهم، ولا ينالُه مَنْ سواهم، وسأذكرُ لك هنا جماعةً ممن


(١) صحيح: رواه أحمد (٥/ ٣٣٣)، والبخاري (٢٩٤٢)، ومسلم (٢٤٠٦)، وأبو داود (٣٦٦١)، وابن حبان (٦٩٣٢)، من حديث سهل بن سعدٍ .
(٢) سوَّلته: زيَّنته.
(٣) يعني المتعصِّبة الجهلاء.
(٤) الأحدوثة: الذِّكر.
(٥) النَّفاق بفتح النون: السريان والانتشار، عكس «الكساد».

<<  <   >  >>