للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا يَقصِدون إلا تقريرَ الحق، وتبيينَ الصواب؛ فإن المجتهدَ الطالبَ للحق ينتفعُ بها، ويستعينُ بأهلها، فينظرُ فيما قد حرَّروه من الأدلة، وقدَّرُوه منَ المباحث، ويُعمِلُ فِكرَه في ذلك، فيأخذُ ما يَرتضيه، ويزيدُ عليه ما بلغت إليه قدرتُه، ووصلت إليه مَلَكتُه، غيرَ تاركٍ للبحث عن تصحيح ما قد صحَّحوه، وتضعيفِ ما قد ضعَّفوه على الوجه المعتبر.

[من حقوقِ الإنصاف والاجتهاد]:

ومن حقِّ الإنصاف، ولازمِ الاجتهاد: ألَّا يُحسِنَ الظن أو يُسيئَه بفردٍ من أفراد أهل العلم على وجهٍ يوجبُ قبولَ ما جاء به أو ردَّه؛ من غير إعمالِ فكرٍ وإمعانِ نظرٍ وكشفٍ وبحث؛ فإن هذا شأنُ المقلِّدين، وصنيعُ المتعصِّبين، وإنْ غرَّته نفسُه بأنه من المنصفين.

وألَّا يغترَّ بالكثرة (١)، فإن المجتهدَ هو الذي لا ينظرُ إلى مَنْ قال؛ بل إلى


(١) يقصد قول الجمهور. وقد نصَّ المحققون على أن قول الجمهور ليس حُجةً بنفسه؛ بل الحُجة دومًا في الدليل، وقد يعتقد بعض الناس أيضًا أن «قول الجمهور» مرادف ل «الإجماع»! وهذا خطأٌ بيِّن. واستمع إلى هذه النقول القيِّمة:
* قال الحافظ ابن عبد البر : «الاختلاف ليس منه شيءٌ لازمٌ دون دليل، وإنما الحجةُ اللازمة: الإجماع لا الاختلاف، لأن الإجماعَ يجبُ الانقيادُ إليه». «التمهيد» (١/ ١٤٣).
* وقال أيضًا: «أجمع المسلمون أن الخلافَ ليس بحجة، وأن عندَه يلزمُ طلبُ الدليلِ والحجةِ ليتبين الحق». «التمهيد» (١/ ١٦٥).
* وقال العلَّامة ابن حزم وهو يتكلم عن مسألةٍ خلافية: «فإن قيل: هذا قول الجمهور. قلنا: ما أَمر اللَّهُ تعالى قطُّ ولا رسولُه باتِّباع الجمهور، لا في آية، ولا في خبرٍ صحيح». «المُحلَّى» (٣/ ٢٤٦).
* وقال أيضًا: «الواحدُ قد يكون عنده من السنن ما ليس عند الجماعة، وإذا كان =

<<  <   >  >>