الإسلامية قد يحتاجُه المجتهدُ لإفادة المتمذهِبين السائلين عن مذاهب أئمَّتهم، وقد يحتاجُه لدفعِ مَنْ يُشنَّعُ عليه في اجتهاده، كما يقعُ ذلك كثيرًا من أهل التعصُّبِ والتقصير؛ فإنه إذا قال له:«قد قال بِهذه المقالةِ العالِمُ الفلاني، أو عَمِل عليها أهلُ المذهب الفلاني»، كان ذلك دافعًا لصَولته، كاسرًا لسورته، وقد وقعنا في كثيرٍ من هذه الأمور مع المقصِّرين، وتخلَّصْنا من شَغَبهم بحكايةِ ما أنكروه علينا عن بعض مَنْ يعتقدونه من الأموات.
وما أنفعَ الاطلاعَ على المؤلَّفات البسيطةِ (١) في حكايةِ مذاهب السلف، وأهلِ المذاهب، وحكايةِ أدلتهم، وما دار بين المتناظِرين منهم، إما تحقيقًا أو فرضًا، كمؤلَّفات ابن المنذر، وابن قُدامة، وابن حزم، وابن تيمية، ومن سلك مسالكهم؛ فإن المجتهد يزداد بذلك علمًا إلى علمه، وبصيرةً إلى بصيرته، وقوةً في الاستدلال إلى قوَّته؛ فإن تلكَ المؤلفاتِ هي مطارحُ أنظار المحقِّقين، ومطامحُ أفكار المجتهدين، وكثيرًا ما يحصُلُ للعالِمِ من النُّكتِ واللطائف الصالحةِ للاستدلال بها ما لا يحصُلُ للعالِم الآخر وإن تقاربت معارفهما، وتوازنت علومُهما؛ بل قد يتيسَّرُ لمن هو أقلُّ علمًا ما لا يتيسَّرُ لمن هو أكثرُ علمًا من الاستدلال والجواب والنقض والمعارضة، كما قيل:
ورأيانِ أحزمُ من واحدٍ … ورأيُ الثلاثةِ لا يُنقَضُ
وكما قيل:
ولكنْ تأخُذُ الأفهامُ منه … على قَدْرِ القَرايحِ والفُهُومِ
ولا سيَّما مؤلفاتُ أهلِ الإنصاف الذين لا يتعصَّبون لمذهبٍ من المذاهب،