على ما يطلبونه منه على أيِّ صفةٍ تُراد منهم! وينضمُّ إلى هذا خُلوُّهم عن العلم، وجَهلُهم لأهله الذين هم أهلُه، فيظنُّون أن أولئك الذين قصدوهم وتعثَّروا على أبوابهم هم رؤوسُ أهله، لِمَا يشاهدونه عليهم من الهيئة واللباس الفاخر؛ الذي لا يجدونه عند المشتغِلِين بالعلم.
فهل تُراهم بعد هذا يَميلون إلى ما يقوله أهلُ العلم، ويَنزجرون بما يُوردونه عليهم من الزواجر الشرعيةِ المتضمِّنةِ لإنكارِ ما هو منكر، والأمرِ بما هو معروفٌ، والتخويفِ لهم من مجاوزةِ حدود اللَّه؟! هيهات أن يُصغُوا لهذا سمعًا، أو يفتحوا له طَرْفًا؛ فإلى اللَّه المشتكى، وعليه المعوَّل؛ فهذا أمرٌ وقع فيه أهلُ العصور الأَولُ فالأول.
وما أحقَّ أهلَ العلم الحامِلِين لحُجج اللَّه، المُرشِدِين لعباده إلى شرائعه أن يَطرُدوا هؤلاء عن مجالسهم، ويُبعدوهم عن مواطنِ تعليمهم، وألَّا يبذلُوا العلم إلا لمن يَقدُرُه حقَّ قَدْرِه، ويُنزِلُه منزلته، ويطلبُه لذاته، ويَرغَبُ فيه لشرفه، ويعتقد أنه أشرفُ مَطلَبٍ من مطالب الدين والدنيا، وأنه يصغُرُ عنده المُلْكُ؛ فضلًا عما هو دونه.
• [تولِّى أهلِ العلم الْمَناصبَ، وشروطُ هذا التولِّي]:
ولا أقول: إن أهل العلم العارفينَ به، المطَّلِعين على أسراره يَمنعون أنفسهم من المناصب الدينية! وكيف أقول بِهذا، وهذه المناصبُ إذا لم تُربط بهم ضاعت، وإذا لم يَدخل فيها الأخيارُ تتابع فيها الأشرار، وإذا لم يقُم بها أهلُ العلم قام بها أهلُ الجهل، وإذا أدبَر عنها أهلُ الورع أقبلَ إليها أهلُ الجَور! وكيف أقول هذا! وأهلُ العلم هم المأمورون بالحُكم بين الناس بالحقِّ والعدلِ والقسطِ وما أنزل اللَّه، وما أَراهم اللَّهُ [منَ] القيامِ بين الناس