للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبالجملة: فالقياسُ الذي يذكرُه أهلُ الأصول ليس بدليلٍ شرعيٍّ تقوم به الحُجةُ على أحدٍ من عباد اللَّه، ولا جاء دليلٌ شرعيٌّ يدلُّ على حُجِّيته، وإن زَعم ذلك مَنْ لا خبرةَ له بالأدلة الشرعية، ولا بكيفيةِ الاستدلال بها، يعرفُ هذا من يعرفه، وينكرُه من ينكرُه (١).

وأما ما كانت العلةُ فيه منصوصةً، فالدليلُ هو ذلك النصُّ على العِلة؛ لأن الشارعَ كأنه صرَّح باعتبارها إذا وُجدت في شيءٍ من المسائل، مِنْ غير فرقٍ بين كونِه أصلًا أو فرعًا، وهكذا ما وقع القطعُ فيه بنفي الفارق، فإنه بِهذا القدْرِ قد صار الأمرانِ اللذانِ لا فارقَ بينهما شيئًا واحدًا؛ ما دلَّ على أحدهما دلَّ على الآخر، مِنْ دون تعديةٍ، ولا اعتماد أصليةٍ ولا فرعية.

وأما «فحوى الخطاب» و «لَحْنُه» (٢)، فهذان هما راجعانِ إلى المفهوم والمنطوق، وإن سمَّاها بعضُ أهل العلم بقياس الفحوى. وبحثُ العمل بالمفهوم خارجٌ عما نحن بصدده.

وقد جاءت لغةُ العرب الحاكيةُ لِمَا كانوا يفهمونه، ويتحاوَرون به، ويعمَلون عليه: أن مثل هذا المفهومِ كان معتبرًا لديهم مأخوذًا به عندهم؛ ولهذا قال من قال من العلماء: «إنه منطوقٌ لا مفهوم».

ولقد تلاعب كثيرٌ مِنْ أهل الرأي بالكتاب والسُّنةِ تلاعبًا لا يخفى إلَّا على مَنْ لا يعرفُ الإنصاف بِهذه الذريعةِ القياسية، وعوَّلوا على ما هو منه أوهنُ مِنْ بيت العنكبوت، وقدَّموه على آياتٍ قرآنيةٍ وأحاديثَ نبوية.


(١) وإنما قصد المصنف بِهذا القياسَ المبنيَّ على عِللٍ لا دليل عليها، ولم يَقصد نفيَ القياس مِنْ أصله؛ فانتبه.
(٢) وهما شيءٌ واحد كما تقدم قريبًا.

<<  <   >  >>