للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلا مصانعتُهم بالمال، والإعلانُ بترك تلك السنن التي هي أوضحُ من شمس النهار!.

وأحكي لك أيضًا حادثةً أشنعَ من هذه، كائنةً في عام تحرير هذه الأحرُف (١)، هي أني لم أزَل منذ اتصلتُ بخليفة عصرنا حفظه اللَّه مرغِّبًا له فى العدل في الرعية على الوجهِ الذي ورد الشرعُ به، ورَفعِ المظالِمِ المخالفةِ لقطعيَّات الشريعة كالمَكْس (٢) ونحوه، والاقتصارِ على ما ورد به الشرع، وعدمِ مجاوزته في شيءٍ، فألهمه اللَّه سبحانه إلى الإجابة إلى ذلك بعد طول مداراةٍ وترغيب، فجعلتُ مكتوبًا محكيًّا عنه مضمونُه: أنه قد أمر عُمَّاله بالعدل في الرعية، ورَفْعِ كلِّ مَظلِمة، والاقتصارِ على ما ورد به الشرعُ في كل شيء، وأن من لم يمتثل هذا الأمرَ كان على القاضي في ذلك القُطْرِ أن يُنهيَ أمرَه إلى حضرةِ الإمام؛ حتى يُحِلَّ به من العقوبة ما يردعُه ويردعُ أمثاله، وفي هذا المكتوب: التشديدُ في الربا، والسياسةِ الشيطانية، والأخذِ على قُضاةِ الأقطار أن يبعثُوا مَنْ يُعلِّمُ الناس أمرَ دينهم، من الصلاة والصيام والحج والزكاة والتوحيد؛ على الوجه المطابق لمراد اللَّه ﷿.

وقرَّر الإمامُ ذلك، وأنفَذه، وأظهَره في الناس، فقامت شياطينُ المقلِّدةِ، وفراعينُ البُدْوان، وخَوَنةُ الوزراء في وجهِ هذا الأمر قيامًا يَبكي له الإسلام، ويموتُ كمدًا عنده الأعلام، فجَعلوا هذا المعروف منكرًا، وما كان الأمرُ السابقُ عليه من المنكر معروفًا.

وليس العجبُ ممن له حظٌّ في المظالِم، ونصيبٌ من المَكس، وقِسطٌ من السُّحت؛ فقد يفعل ذلك مَنْ يُؤثِرُ الدنيا على الدين، ويَبيعُ الآجل بالعاجل؛


(١) أي: عند كتابة هذا الكتاب «أدب الطلب».
(٢) المَكس: الإتاوات والضرائب التي تؤخذ من العباد قهرًا.

<<  <   >  >>