للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأمواتِ أشدُّ بعدًا، وأعظمُ تعذُّرًا؛ فإنه لا سبيل إلى ذلك إلَّا ما يوجد في المصنَّفات، وما كُلُّ مَنْ يُعتدُّ به في الإجماع يشتغلُ بالتصنيف؛ بل المشتغلون بذلك منهم هم القليلُ النادر؛ ومع هذا فمن اشتغل منهم بالتصنيف لا يَحظَى بانتشار مؤلَّفاته منهم إلا أقلُّهم، وهذا معلومٌ لكل أحد لا يكادُ يلتبس.

ولا شك أن من الملوكِ مَنْ يُصرُّ على أمرٍ مخالفٍ للشرع، فلا يستطيعُ أحدٌ من أهل العلم أن ينكرَ عليه، أو يُظهرَ مخالفته تقيةً ومحاذَرةً ورغبةً في السلامةِ وفرارًا من المحنة.

وبالجملة فالدنيا مؤثَرةٌ في كل عصر، وإذا عَجز المَلِكُ عن إظهار مذهبه على فرضِ أنه من أهل الإدراك، والحالُ أن بيده السيفَ والسوط، فما ظنُّك بعالِمٍ مستضعَفٍ لم يكن بيده إلَّا أقلامُه ومَحبرتُه؟!.

ومما أحكيهِ لك مما أدركتُه في أيام الحداثة وزمن الصِّبا: أن الإمام المهديَّ العباس بن الحسين رحِمه اللَّه تعالى أحدَ ملوك اليمن، ووالدَ إمامنا الإمام المنصور حفظه اللَّه، كان له إدراكٌ تام، وفهمٌ ثاقب، واتصل بمقامِه مِنْ أكابر العلماء المُنصِفين العالِمين بالأدلة جماعةٌ، فأظهر في الصلاةِ سُننًا كانت متروكةً بترك المُتمذهِبين لها، فقامت قيامةُ جماعةٍ من المتفيهقين (١) المقلدين، وأثاروا حفائظَ جماعةٍ من شياطين البُدْوان الذين لا يَعرفون من الإسلام إلا اسمَه، ولا يَدْرُون من الدين إلا رسْمَه، فتجمَّعوا في بَوَاديهم، وقالوا: «قد خرج الإمام من مذهب الشيعة إلى مذهبِ السنة، ومن الاقتداء بعلِيِّ بن أبى طالب إلى الاقتداء بمعاوية» كما لقَّنهم هذه المقالةَ شياطينُ المقلدة! ثم خرجوا عليه في جندٍ يَعجِزُ عن مقاومتهم، فما وَسِعَه


(١) المتفيهقون: المتكبرون.

<<  <   >  >>