كثيرٍ منهم في كلِّ عصرٍ من الأعصار منذ قام الإسلامُ إلى هذه الغاية، وتعذُّرِ الاستقراءِ التامِّ لما عند كل واحدٍ منهم، وأن الأعمار الطويلة لا تتسع لذلك فضلًا عن الأعمار القصيرة؛ فإن المدينةَ الواسعةَ قد يَعجِزُ مَنْ هو مِنْ أهلها أن يعرفَ ما عند كل فردٍ من أفراد علمائها، بل قد يَعجِزُ عن معرفةِ كل عالِمٍ فيها كما هو مشاهَدٌ محسوسٌ معلومٌ لكل فرد، فكيف بالمدائن المتباينة؟ فكيف بجميع الأقطار الإسلاميةِ بَدْوِها وحَضَرها، ومَدائنِها وقُراها؟ فقد يوجدُ في زاويةٍ من الزوايا التي لا يؤبهُ لها، ولا يُرفع الرأسُ إليها مَنْ يَقِلُّ نظيرُه من المشاهير في الأمصار الواسعة، ومع هذا فهذه المذاهبُ قد طَبَقت الأقطار، وصارت عند المنتمِين إلى الإسلام قدوةً يَقتدون بها، لا يخرجُ عنها، ويجتهدُ رأيه، ويعملُ بما قام عليه الدليلُ: إلَّا الفردُ بعد الفرد، والواحدُ بعد الواحد، وهم على غايةِ الكَتْم لما عندهم، والتستُّرِ بما لديهم، خوفًا من المتمذهِبين، لأنهم قد جعلوا المذهبَ الذي هم عليه حجةً شرعيةً على كل فردٍ من أفراد العباد، لا يخرجُ عنه خارجٌ، ولا يخالفُه مخالفٌ إلَّا مزَّقوا عِرضَه، وأهانوه، وأخافوه، والدولةُ في كل أرضٍ معهم وفي أيديهم، والملوكُ معهم لأنهم من جِنسهم في القصور والبعدِ عن الحقائق، وإذا وُجد النادرُ من الملوك، والشاذُّ من السلاطين له مِنْ الإدراك والفهم للحقائق ما يَعرفُ به الحقَّ والمحقِّين، فهو تحت حكم المقلِّدة وطَوعَ أمرهم لأنهم جُندُه ورعيَّتُه، فإذا خالفهم خالفوه، فيظنُّ عند ذلك ذهابَ مُلكِه، وخروجَ الأمر من يده.
وإذا كان الحالُ هكذا؛ فكيف يمكن الوقوفُ على ما عند كلِّ عالِمٍ من علماء الإسلام؟ هذا باعتبار الأحياء، وهو في أهل العصور المنقرضةِ من