للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منعزلًا عن الناس، وحَمَل الثاني على الارتحال إلى الحرم الشريف، والاستقرارِ فيه حتى توفَّاهُ اللَّهُ فيه، ومع هذا؛ فنشر اللَّه من علومهما وأظهر [مِنْ] مؤلفاتِهما ما لم يكن لأحدٍ من أهل عصرهِما ما يقاربه؛ فضلًا عن أن يساويَه.

ثم كان في العصر الذي قبلَ عصرنا هذا: السيدُ العلَّامة محمد بن إسماعيل الأمير (١)، وله في القيام بحُجةِ اللَّه، والإرشادِ إليها، وتنفيرِ الناس عن العمل بالرأي، وترغيبِهم إلى علم الرواية ما هو مشهورٌ معروف، فعاداه أهلُ عصره، وسَعَوا به إلى الملوك، ولم يتركوا في السعي عليه بما يضرُّه جَهدًا، وطالت بينه وبينهم المصاولةُ والمُقاولة (٢)، ولم يَظفَروا منه بطائل، ولا نَقَصوه من جاهٍ ولا مال، ورَفعه اللَّهُ عليهم، وجعل كلمتَه العُليا، ونَشر له من المصنَّفاتِ المطوَّلةِ والمختصَرةِ ما هو معلومٌ عند أهل هذه الديار، ولم ينتشِرْ لمعاصِريه المؤذِينَ له المبالِغين في ضرره بحثٌ من المباحث العلمية، فضلًا عن رسالة، فضلًا عن مؤلَّفٍ بسيط (٣)! فهذه عادةُ اللَّهِ في عباده، فاعلمْها وتيقَّنْها.

وكان شيخُنا السيد العلَّامة عبد القادر بن أحمد من أكثر الناس نشرًا للحق، وإرشادًا له، وتلقينًا له، وهدمًا لما يخالفه، فجعله اللَّهُ عَلَمًا يُقتدى به، ومرجعًا يأوي إليه أهلُ عصره، وأخضَعَ له كلَّ مخالفٍ له، واعترفَ له كلُّ واحدٍ بأنه إمامُ عصره، وعالِمُه، ومجتهدُه، ولم يضرَّه ما كان ينالُه به


(١) العلَّامة البارع «الصنعاني»؛ صاحب «سبل السلام».
(٢) المصاولة: المشاجرة والمجادلة. المقاولة: تبادل المقالات.
(٣) البسيط لغةً: الواسع الممتد. فإن كان الإمامُ الشوكاني يقصد بكلمة بسيط: اليسير القليل، فهو خطأ لغوي، وإن كان يقصد المؤلَّف الكبير، فهو الصواب، واللَّهُ أعلم.

<<  <   >  >>