للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فضلًا عن غيره لِمَا يخافُه على نفسه، أو على ماله، أو على جاهِه، بحسبِ اختلاف المقاصد وتبايُنِ العزائم الدينية، فيَحصُلُ من قُصورهم مع تغيُّرِ فِطَرِهم بمن أرشدَهم إلى البقاء على ما هم عليه، وأنه الحقُّ وخلافه الباطل، وسكوتِ مَنْ له فطنةٌ ولديه عرفانٌ وعنده إنصافٌ عن تعليمهم معالِمَ الإنصاف وهدايتِهم إلى طُرق الحق: ما يُوجِبُ جُمودَهم على ما هم عليه، واعتقادَهم أن الحقَّ مقصورٌ عليه، منحصرٌ فيه، وأن غيرَه ليس من الدين، ولا هو من الحق! فإذا سمع عالمًا من العلماء يفتي بخلافه، أو يعملُ على ما لا يوافقه، اعتقد أنه من أهل الضلال، ومن الدعاةِ إلى البدعة! وهذا إذا عَجَز (١) عن إنزال الضرر به (٢) بيدِه أو لسانه؛ فإن تمكَّنَ من ذلك، فَعَله معتقِدًا أنه من أعظم ما يتقربُ به إلى اللَّه، ويدَّخرُه في صحائف حسناته، ويُتاجِرُ اللَّهَ به!.

وهذا معلومٌ لكل أحد، وقد شاهَدْنا منه ما لا يأتي عليه حصرٌ ولا تُحيط به عبارة؛ بل قد بلغ هذا المُتعصبُ في معاداةِ مَنْ يخالفُه إلى حدٍّ تجاوَز به عداوتَه لليهود والنصارى! ولو عَلم المخدوعُ المغرور بأن سَعيَه ضلال، وعَملَه وبال، وأنه من الأخسرين أعمالًا، ﴿الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (١٠٤)[الكهف]، لَأَقصَرَ عن غِوايته، وارعوَى (٣) عن بعض جهله، لكنه جَهِل قَدْرَ نفسِه وخُسرانَ سَعيِه، وتحامى (٤) غيرُه مِنْ أهل المعرفة والفهم إرشادَه إلى الحق وتنبيهَه على فسادِ ما هو فيه، مخافةً على نفسه منه وممن يشابِهُه في ذلك، فتعاظَمَ الشرُّ، وعمَّ البلاء، وتفاقَم الأمر،


(١) أي: المقلِّد.
(٢) أي: بمن يريدُ العملَ بالدليل.
(٣) ارعوى: انزجر وارتدع.
(٤) تَحامى: تجنَّب.

<<  <   >  >>