للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك من التفاصيل التي جاءتنا في كتب اللَّه ﷿ وعلى ألسُنِ رُسُله فلا يُستفاد من العقل؛ بل من ذلك النقلِ الذي منه جاءت، وإلينا به وَصلت.

واعلمْ أنى عند الاشتغال ب «علم الكلام»، وممارسةِ تلك المذاهب والنِّحل، لم أَزدَدْ بها إلا حَيرةً، ولا استفدتُ منها إلا العلمَ بأن تلك المقالات خزعبلاتٌ (١)؛ فقلت إذ ذاك مشيرًا إلى ما استفدته من هذا العلم:

ومِن نظري بعدَ طولِ التدبُّرِ … وغايةُ ما حَصَّلتُه مِنْ مَباحثي

فما عِلمُ مَنْ لم يَلْقَ غيرَ التحيُّرِ؟! … هو الوقفُ ما بين الطريقينِ حَيرةً

وما قَنِعَتْ نفسي بدونِ التبحُّرِ … على أنني قد خُضْتُ منه غِمارَهُ

وعند هذا رميتُ بتلك القواعدِ من حالقٍ، وطرحتُها خلف الحائط، ورجعت إلى الطريقةِ المربوطةِ بأدلة الكتاب والسُّنة، المَعمودةِ (٢) بالأعمدةِ التي هي أوثقُ ما يَعتمد عليه عِبادُ اللَّه، وهم الصحابةُ ومَن جاء بعدهم مِنْ علماء الأمة المقتدِين بهم، السالكين مسالكَهم؛ فطاحت الحَيرة، وانجابت ظُلمةُ العَماية، وانقشعتْ سحابةُ الجهالة، وانكشفت ستورُ الغِواية، وللَّهِ الحمد (٣).

على أني وللَّهِ الشكر لم أشتغل بِهذا الفنِّ إلَّا بعد رسوخ القدَم في أدلة


(١) الخزعبلات: التخاريف والضلالات.
(٢) المعمودة: الثابتة الراسخة.
(٣) وهذا يؤيد ما قلتُه من قبلُ: أنه لا ينبغي بل لا يحلُّ الاشتغالُ بكلام المتكلمين وشبهاتِهم التي ظنوها حُججًا قطعيةً، قبل الرسوخ في عقيدة أهل السُّنة والجماعة، وتأمل كيف وصل الحالُ بالإمام الشوكاني نفسه بأن وقع في الحَيرة والتخبط؛ هذا وهو الذي سيعترفُ الآن أنه ما قرأ كتب المتكلمين إلا بعد الرسوخ في عقيدةِ أهل السنة والجماعة؛ فما بالُنا بمن اختلَّت عقيدته الصحيحة؛ بل قد لا يعرفها أصالةً!!.

<<  <   >  >>