للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيما يتعلقُ بما شَجر بين الصحابة، وفي المناقب والمثالب، فإنهم يطيرون عند ذلك فرحًا، ويجعلونه من أعظم الذخائر والغنائم!!.

فإن قلتَ: لا شك فيما أرشدتَ إليه من وجوب الصدْع بالحق، والهدايةِ إلى الإنصاف، وتأثيرِ (١) ما قام عليه الدليلُ الصحيحُ على محض الرأي، وبيانِ ما أنزله اللَّهُ للناس، وعدمِ كَتْمه؛ لكنْ إذا فَعل العالِمُ ذلك، وصرخ بالحق في بلاد البدع، وأرشد إلى العمل بالدليل في مدائن التقليد، قد لا يتأثر عن ذلك إلا مجردُ التنكيل به، والهتكِ لحرمته، وإنزال الضرر به!.

قلتُ: إنما سألتَ هذا السؤال، وجئتَ بِهذا المقال، ذهولًا عمَّا قدمتُه لك وأوضحتُه وكرَّرتُ من حفظ اللَّهِ للمتكلِّمين بالحق، ولُطفِه بالمرشدين لعباده إلى الإنصاف، وحمايتِه لهم عمَّا يظنُّه مَنْ ضَعُف إيمانُه، وخارت قوتُه، ووهَت عزيمتُه؛ فارْجِعِ النظرَ فيما أسلفتُه، وتدبَّر ما قدَّمتُه، تعلمْ به صِدقَ ما وعد اللَّهُ به عباده المؤمنين من أن العاقبة للمتقين.

ثم هَبْ صِدْقَ ما حَدَسْتَه (٢)، ووقوعَ ما قدَّرتَه، وحصولَ المحنة عليك، ونزولَ الضرر بك، فهل أنت كلُّ العالَمِ وجميعُ الناس؟ أم تظنُّ أنك مخلَّدٌ في هذه الدار؟ أم ماذا عسى يكونُ إذا عملتَ بالعلم، ومشيتَ على الطريقة التي أمرك اللَّهُ بها؟ فنهايةُ ما ينزل عليك ويحُلُّ بك أن تكون قتيلًا للحق وشهيدًا للعلم، فتظفرَ بالسعادة الأبدية، وتكونَ قدوةً لأهل العلم إلى آخِر الدهر، وخِزيًا لأهل البدع، وقاصمةً لظهورهم، وبلاءً مصبوبًا عليهم، وعارًا لهم ما داموا متمسِّكين بضلالهم، سادِرين (٣) في عَمَايتهم، واقِعين في


(١) تأثير: تقديم وتفضيل.
(٢) حدستَه: ظننته. (٣) سادرين: متحيِّرين تائهين.

<<  <   >  >>