للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يدْفعون بها الآياتِ القرآنيةَ والأحاديثَ النبوية؛ فإذا كشفتَ عنها وجدتَها في الأصل كلمةً قالها بعض حكماء الكلام؛ زاعمًا أنه يقتضي ذلك العقلُ ويستحسنُه! وليس إلَّا مجردَ الدعوى على العقل وهو عنها بريءٌ؛ فإنه لم يَقضِ بذلك العقلُ الذي خلقه اللَّهُ في عباده، بل قضى به عقلٌ قد تدنَّس بالبدع، وتكدَّر بالتعصب، وابتُلي بالجهل بما جاء به الشرعُ، وجاء بعده مَنْ هو أشدُّ بلاءً منه، وأسخفُ عقلًا، وأقلُّ عِلمًا، وأبعدُ عن الشرع؛ فجعل ذلك قاعدةً عقليةً ضروريةً، فدَفع بها جميعَ ما جاء عن الشارع (١)، عَرَف هذا مَنْ عرفه، وجَهِله من جهله، ومَن لم يعرف هذا فلْيتَّهم نفسه.

فيا للَّهِ العجب مِنْ مَزِيَّةٍ يفتريها على العقل بعضُ مَنْ حُرِم علمَ الشرع، ثم يأتي مَنْ بعده فيجعلُها أصولًا مقررةً وقواعدَ محرَّرة، ويُؤثِرُها على قولِ اللَّه ﷿ وقولِ الأنبياء.

وهكذا تجدُ في عِلم «أصول الفقه» قاعدةً قد أخذها الآخِرُ عن الأول، وتلقَّنها الخلَفُ عن السلف، وبَنَوا عليها القناطر (٢)، وجعلوها إمامًا لأدلةِ الكتاب والسُّنة؛ يُجيزون ما أجازته، ويردُّون ما ردَّته! وليست من قواعد اللغة الكلية، ولا من القوانينِ الشرعية؛ بل لا يستندُ لها إلا الخيالُ المُختل، والظنُّ الفاسد، والرأيُ البحت! ومع هذا فهم يزعمون أن هذا العِلمَ (٣) لا تُقبَلُ فيه إلَّا الأدلةُ القطعية! وهي دعوى ظاهرةُ البطلان، واضحةُ الفساد؛ فإن غالبَها (٤) لا يوجد عليه دليلٌ من الآحاد صحيحٌ ولا حسن؛ بل لا يوجد آحاديٌّ


(١) راجع ص (٣٢).
(٢) القناطر: الجسور التي يُعبر عليها.
(٣) يعني أصول الفقه.
(٤) أي: غالب تلك القواعد الخيالية.

<<  <   >  >>