للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يكون متصرِّفًا عن أمر الخليفة، كما كان يتصرفُ عن أمرهم الملوكُ الحَمْدانية والبُويهية والسلجوقية، وأنه يريدُ أن يتزوجَ ابنُ الخليفة بابنته، وما زال يخدعُ الخليفة، ويَفتِلُ منه في الذِّروةِ والغارب (١) حتى أسعدَه، ومالَ إلى مقاله، وقال له: يخرجُ هو وأعيانُ البلد لعقدِ النكاح؛ فخرج الخليفةُ وإخوتُه وأولادُه وأعمامُه وأمراؤُه وأعيانُ بغدادَ من كل طبقةٍ من الطبقات التي تتصلُ بالخليفة. وكان الذي عَيَّن الخارجين وسمَّاهم هو الوزير المذكور، فلم يَدَع أحدًا من أركان الدولة يُخشى منه ولا سيَّما مَنْ كان متعصبًا على الشيعة كالأمير مجاهد الدين الدُّويدار، فإنه جعلهم في أول الخارجين لشهودِ العقد، وقد كان أبرَمَ (٢) هو وسلطانُ التتر أنه سيجعلُه وزيرًا كما كان مع الخليفة العباسي، فلما خرج أولئك الأعيانُ والخليفة قَتلهم التترُ جميعًا، ثم دخلوا بغدادَ، فقتلوا مَنْ بها من الطائفتين لم يُبقُوا على شِيعيٍّ ولا سُنِّي، وكان جُمْلَةُ القتلَى كما نقله كثيرٌ من ثقات المؤرِّخين ثمانية عشر لَكًّا (٣) عن ألفِ ألفِ (٤) قتيل، وثمانِمئة ألفِ قتيل.

فانظر هذه الفاقرةَ العظيمةَ التي تسبَّبت عن تعصُّبِ الوزير الرافضيِّ لأصحابه من الرافضة لا ، وقد كان يُظهِرُ التأسُّفَ والتندُّمَ، ويقول: إنه ما كان يظنُّ أن الأمرَ يقعُ هكذا، وأنه كان يظنُّ سلامةَ الشيعة، وعدمَ وصول الأمر إليهم حسبما قدَّمه لنفسه ولهم، ولم يَصِل إلى ما


(١) أي: خدعه حتى أزاله عن رأيه. وانظر أصل هذا المثل في «مجمع الأمثال»، للميداني (رقم: ٢٧٣٠).
(٢) أبرم: اتفق.
(٣) اللك: عددٌ عند أهل إيران والهند واليمن يساوى مئة ألف.
(٤) أي: مليون.

<<  <   >  >>