للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رأيِ فردٍ من أفرادِ أهل العلم على ما شَرعه اللَّهُ في مُحكَم كتابه وعلى لسان رسوله ، مِنْ أعظم الذنوب التي تلقاه بين يدي اللَّه، فإنه ضالٌّ مُضِل، مفتونٌ فاتن، محاربٌ للشريعة المطهَّرة، معاندٌ لها؛ فعليه إثمٌ بما سَنَّه مِنْ هذه السُّنة السيئة، وإثمُ مَنْ عَمِل بها إلى يوم القيامة.

وأما في العاجلة، فإن مِثلَ هؤلاء الصُّمِّ البُكم من المقلِّدة، لا يَفرحُ العاقلُ بانتشار مصنَّفاتِه عندهم وشيوعِها بينهم؛ لأنهم لا يَفهَمون العلم، ولا يعرفون أهلَه، ولا فرقَ بينهم وبين العامةِ البحتِ إلَّا مجردُ الدعوى، والتلبُّسِ بلِباس أهل العلم، والقعودِ في مقاعد أهله؛ فكما أن العاقلَ لا يَفرحُ بإقرار جماعةٍ له من البدْوِ والحُرَّاثِ أو السُّوقةِ من أهل الحياكة والحِجامة وسُقَّاطِ أهل المِهن الدنيئة والمَعايشِ الوضيعة، كذلك لا ينبغي له أن يفرحَ بمثل ذلك من المقلِّدة، فإنهم كما قال القائل:

فإنْ لم يَكُنْها أو تَكُنْهُ فإنه أخوها غذَّته أُمُّه بلِبانِها (١)

ومع هذا، فإنه يُعرِّضُ نفسَه بِهذا التصنيف لاستقصارِ (٢) أهلِ العلم الذين هم أهلُه، وعليهم المعوَّل فيه لغايته، واستحقارِ ما جاء به، والإزراءِ عليه مِنْ كلِّ واحدٍ منهم في عصره ذلك وما بعدَه من العصور، ما دام ذلك المصنَّفُ المشؤوم موجودًا على وجه الأرض كما هو معلوم؛ فإن المحقِّقين مِنْ أهل العلم إذا عَثَروا على شيءٍ من هذه المصنَّفاتِ المتعسِّفةِ الخارجةِ عن الحق، انقبضت أنفسُهم عنه، واسترذلوه (٣)، وسَقط مصنِّفُه


(١) اللِّبان بالكسر: الرضاع. كذا في «الصحاح».
(٢) استقصار: انتقاص.
(٣) في المطبوع: «واستردُّوه»، ولعله الأصح ما أثبته، واللَّهُ أعلم.

<<  <   >  >>