أعينهم، لا يتحوَّلون عنها، ولا يخالفونها، ويعتقدُ مَنْ تفاقَم تعصُّبُه من المقلِّدة أن الخروجَ عن ذلك خروجٌ من الدين بأسْره وإن كانت بقيةُ المذاهب على خلافه في تلك المسألة؛ كما نجده في كل مذهبٍ من المذاهب الأربعة وغيرها.
فما عَسى يُغني إرشادُ فردٍ من أفرادِ العلم إلى الإنصاف، واتباع نص الدليل في قُطرٍ واسعٍ من أقطار الأرض، أو مدينةٍ كبيرةٍ من مدائنه؛ فإنه بأولِ كلمةٍ تخرجُ منه، وأيسرِ مخالفةٍ يتفوَّهُ بها، يقومُ عليه من المقلِّدة مَنْ يُنغِّصُ عليه مَشرَبَه، ويُكدِّرُ عليه حاله، وأقلُّ الأحوال أن يَسعى به هؤلاء المقلِّدةُ إلى أمثالهم ممن بأيديهم الأمرُ والنهي والدولةُ والصَّولة، فيمنعونه من المعاودة، ويتوعَّدونه بأبلغِ توعُّد، هذا إذا لم يَمنعوه من التدريس والإفتاء بمجرد ذلك، ويحُولون بينه وبين ما أردتَ منه بكلِّ حائل! وما يصنعُ المسكينُ بين مِئِينَ من المقلِّدة؛ كلُّ واحدٍ منهم أجلُّ قدرًا منه، وأنبلُ ذِكرًا، وأحسنُ ثيابًا، وأفرَهُ مركوبًا، وأكثرُ أتباعًا عند ألوفٍ مؤلَّفةٍ من العامة الذين هم بين جُندٍ وسُوقةٍ وحُرَّاثٍ وأهلِ حِرَف، لا يفهمون خطابًا، ولا يَعقِلون حقًّا! فما ظنك بالعامة إذا بَلَغهم الخلافُ بين فردٍ من أفرادِ العلم خامِلِ الذكر وبين جميع مَنْ يعدُّونه عالمًا مِنْ أهل بلدهم من المدرِّسين والقضاةِ والمفتين، وهم عددٌ جَمٌّ، ومقدارٌ ضخمٌ؟! أتُراهم يظنُّون الحقَّ بيد ذلك الفرد ويَتْبَعونه، ويقولون بقوله، ويَدَعون مَنْ يخالفه مِنْ أهل مدينتهم قاطبةً؟! هذا ما لا يكون؛ فإنَّا نجدُ العامةَ في قديم الزمن وحديثه مع الكثرة، ولا سيَّما مَنْ كان له مِنْ أهل العلم نصيبٌ من دولةٍ كالقضاة؛ فإن الواحدَ منهم يَعدِلُ عند العامة ألوفًا من أهل العلم الذين لا مناصبَ لهم ولا دولة؛ فكيف إذا انضمَّ إلى ذلك