للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والعقلُ الذي ركَّبه في الأموات ركَّب مِثلَه في الأحياء، والكتابُ والسنةُ موجودانِ في الأزمنة المتأخرةِ كما كانا في الأزمنةِ المتقدمة، والتعبُّدُ بهما لمن لَحِقَ (١) كالتعبُّد لمن مضى، وعِلمُ لُغةِ العرب موجودٌ في الدفاتر عند المتأخِّرين على وجهٍ لا يَشِذُّ منه شيءٌ؛ بعد أن كان المتقدِّمون يأخُذون عن الرواة حرفًا حرفًا، ويستفيدون من أربابه كلمةً كلمة.

وكذلك تفسيرُ الكتاب العزيز موجودٌ في التفاسير التي دوَّنها السلفُ للخَلَف؛ بعد أن كان الواحدُ منهم يَرحلُ في تفسير آيةٍ من كتاب اللَّه إلى الأقطار الشاسعة.

وكذلك الأحاديثُ المرويةُ عن رسول اللَّه موجودةٌ في الدفاتر التي جَمَعها الأوَّلُ للآخِر؛ بعد أن كان الواحدُ منهم يرحل في طلب الحديثِ الواحد إلى البلاد البعيدة.

وهكذا جميعُ العلوم التي يُستعان بها على فهم الكتاب والسنة.

فالوقوفُ على الحق، والاطلاعُ على ما شَرَعه اللَّهُ لعباده قد سهَّله اللَّهُ على المتأخِّرين، ويسَّره على وجهٍ لا يحتاجون فيه منَ العناية والتعب إلَّا بعضَ ما كان يحتاجُه مَنْ قبلهم؛ وقد قدمنا الإشارة إلى هذا المعنى (٢).


(١) لَحِق: جاء متأخرًا.
(٢) وها نحن في عصرنا هذا قد يسَّر اللَّهُ تعالى علينا أكثرَ من عصر المصنف في إمكانية جلبِ كتب العلم التي كان كثيرٌ من العلماء يتمنَّون رؤيتها بعيونِهم؛ لا سيَّما عن طريق «الحاسب الآلي» الذي يسَّر الكثيرَ والكثير من البحوث على طلبة العلم؛ وبالرغم من هذا قلَّ مَنْ استفاد من تلك النِّعم في نشرِ العلم ونيل المعالي. لكن لابد من التنبُّهِ إلى أن «الحاسب الآلي» وحده لا يصنعُ طالبَ علمٍ نافعًا، ولا يجعل من الجاهل عالمًا؛ بل لابد من تلقِّي العلم عن أهله الثقات، مع الرجوع الدائمِ إلى الكتب المحققة المعتمدة.

<<  <   >  >>