للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وينبغي له أن يُطوِّلَ الباع في هذا العلم، ويطالعَ مطوَّلاتِ التفاسير، ك «مفاتيح الغيب» للرازي (١)؛ فإن المعاني المأخوذةَ من كتاب اللَّه سبحانه كثيرةُ العدد، يَستخرج منها كلُّ عالِمٍ بحسب استعداده، وقدْرِ مَلَكته في العلوم.

ولا يَغترَّ بما يزعمُه بعضُ أهل العلم مِنْ أنه يكفي الاطلاعُ على تفسير آياتِ الكتاب العزيز، كما وقع لكثيرٍ من التآليف في تفسير آياتٍ مخصوصةٍ مسمِّيًا لها ب «آيات الأحكام» كالموزعي (٢)، وصاحب «الثمرات» (٣)؛ فإن القرآنَ جميعَه حتى قَصصَه وأمثالَه لا يخلو من فوائدَ متعلِّقةٍ بالأحكام الشرعية، ولطائفَ لا يأتي الحصرُ عليها لها مدخلٌ في الدين؛ يعرفُ هذا مَنْ يعرفه، ويجهلُه من يجهله.

وينبغي أن يقدِّم على قراءة التفاسير الاطلاعَ على علوم الأداء، وكلِّ ما كان له مدخلٌ في التلاوة (٤)، وسائرِ العلوم المتعلِّقة بالكتاب العزيز، وما أنفع


(١) الرازي وكان أشعريًّا جلدًا؛ وقد ردَّ عليه الإمام ابن تيمية في «بيان تلبيس الجهمية»، ويسمى «نقض التأسيس». وكان أولى بالمصنف أن يُحيل على المطولات السلفية، مثل تفسير الطبري وتفسير ابن كثير ونحوهما.
(٢) وله تفسير سماه: «تفسير البيان لأحكام القرآن». من بعض المطبوعات.
(٣) اسم الكتاب كاملًا: «الثمرات اليانعة والأحكام الواضحة القاطعة»، ومؤلفه: يوسف بن أحمد بن محمد، نجم الدين؛ فقيه فاضل. تُوُفِّي سنة (٨٣٢ هـ/ ١٤٢٩ م). من بعض المطبوعات.
(٤) لكن على طالب العلم ألَّا يُغرِقَ في علمِ المخارج الذي صار غايةَ الكثير من قارئي القرآن؛ مما يدفعُه إلى التنطُّع في إخراج الحروف؛ حتى يَصِلَ به الحدُّ إلى طريقةٍ سمجةٍ منفِّرة؛ في الوقتِ الذي لا يَفهم فيه كبيرَ شيءٍ عن معاني القرآن! واستمِعْ إلى الإمام ابن الجوزي وهو يتحدثُ عن تلبيس إبليس على قارئ القرآن: «وتارةً يُلبِّسُ عليه في تحقيق التشديد، وتارةً في إخراج ضاد ﴿الْمَغْضُوبِ﴾، ولقد رأيت من يقول: ﴿الْمَغْضُوبِ﴾، فيُخرِجُ بُصاقَه مع إخراج الضاد لقوة تشديده! وإنما المرادُ تحقيقُ الحرف فحسب، وإبليسُ يُخرج هؤلاء بالزيادة عن حدِّ «التحقيق»، ويَشغلهم بالمبالغة في الحروف عن فهم التلاوة، وكلُّ هذه الوساوس من إبليس» انتهى. «المنتقى النفيس من تلبيس إبليس» (١٧١). وللإمام ابن القيم كلام نفيس في هذا الأمر تراه في «إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان» (١/ ٣٠٦: ٣٠٨ ط: دار ابن الجوزي)، وانظر: «تصحيح الدعاء»، للعلامة بكر أبو زيد (٢٦٤ - ٢٦٦)، ورسالته «بدع القراء القديمة والمعاصرة».

<<  <   >  >>