للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في وِرْدٍ و لا صَدَر، وأما سائرُ العلماء المتبحِّرين في علم الشرع وغيره من أهل العصر وغيرهم، فهم عند هؤلاءِ النُّوَكاء الرُّقعاء (١) لا يفهمون شيئًا ولا يعقلون.

فقبَّح اللَّهُ تلك الوجوه؛ فإنها صارت عارًا وشنارًا (٢) على أهل العلم، وصار دخولُ مِثلِ هؤلاء الذين دنَّسوا عِرضَ العلم، وجهَّموا (٣) وجهه، وأهانوا شرفه من أعظم المصائب التي أصابت أهلَه، وأكبرِ المِحن التي امتُحن بها حَمَلتُه؛ فإنه يَسمعُهم السامعُ يَثلِبون أعراض الأحياء والأمواتِ من المشهورين بالعلم، الذين قد اشتُهرت مصنفاتُهم، وانتشرت معارفُهم، فيَزهدُ في العلم، ويخافُ من أن يعرِّضَ نفسَه للوقيعة مِنْ مثل هؤلاء الجهلة.

وعلى أنهم لا يعرفون شيئًا إلا ما ذكرتُ لك، ولا يفهمون علمًا من العلوم لا بالكُنْهِ (٤) ولا بالوجه؛ فما أحقَّ هؤلاء بالمَنع لهم عن مجالس العلم، والأخذِ على أيديهم منَ الدخول في مداخِلِ أهله، والتشبُّهِ بهم في شيءٍ من الأمور، وإلزامهم بملازمةِ حِرَفِ آبائهم وصناعاتِ أهلهم، والوقوفِ في الأسواق لمباشرة الأعمال التي يباشرُها سَلفُهم! فليس في مفارقتهم لها إلا ما جَلبوه من الشرِّ على العلم وأهله.

ولكنهم قد تَحذلقوا، وجعلوا لأنفسهم حِصنًا حصينًا، وسورًا منيعًا، فتظهَّروا بشيءٍ من الرَّفْض، وتلبَّسوا بثيابه، فإذا أراد مَنْ له غَيرةٌ على العلم المعاقبةَ لهم، وإعزازَ دين الإسلام بإهانتهم، قالوا للعامة: إنهم أُصيبوا بسبب


(١) النُّوَكاء: الحمقى: الرُّقعاء: السفهاء.
(٢) الشنار: العيب.
(٣) جهَّموا: أظلموا.
(٤) الكُنه: الحقيقة.

<<  <   >  >>