وكيف يفهم ذلك غالبُ القضاة وهم يَعجِزون عن فهم شروطِ الوضوء وفرائضِه وسننه! بل يَقصُرون عن فهم مباحثِ أبواب قضاءِ الحاجة! فهل تُراهم يَفهمون ما يقول لهم المُفتي بسَفك دم المتزندق من أنه كَفَر بكذا؛ فاستحق سَفك دمه بكذا؟! هيهاتَ هيهات! فإنهم أبلدُ من ذاك، وأسوأُ فهمًا من البلوغ إليه.
ومنها وهو أعظمها: ما عرَّفناك به من تظهُّرِهم بالرفض، وادعائِهم أنهم لم يُصابوا بذنبٍ سواه، ولا نالَهم ما نالَهم إلَّا بسببه! فإن هذه الدعوى سريعةُ النَّفاق تدخلُ إلى أذهان غالب الناس، وتَقبلُها عقولُهم بأيسرِ عمل، للاشتراك في الجنس، وإن لم يكن على التواطؤ؛ بل على التشكيك، وكفاك مِنْ شرٍّ سَماعُه.
وبعد هذا؛ فإني أرجو اللَّهَ ﷿ أن يُمكِّنَ منهم، فتُجرى عليهم الأحكامُ الشرعية، ويَنفُذَ فيهم ما يقتضيه مُرُّ الحق ونصُّ الدليل.
وقد عَلم اللَّهُ ﷾ أني أجدُ من الحسرةِ والتلهُّفِ ما لا يُقادَرُ قَدْرُه، ولا يمكنُ التعبيرُ عنه؛ لأنه ليس بتغاضٍ عن مبتدع، ولا بمجردِ سكوتٍ عن انتهاكِ حُرمةٍ من حرماتِ الشرع؛ بل هو سكوتٌ عن الكفر، وإغماضٌ عن متظهِّرٍ بالزندقة، يتكلمُ فيها بمَلءِ فيه، ويُبدي منها ما تَبكي له عيونُ الإسلام وأهلِه، فتارةً يتهاونُ بالقرآن، وتارةً يتهاون بالأنبياء، وتارةً يتهاون بحَمَلَةِ الدين، وحينًا يُزري على علماء المسلمين، ولكن بعباراتٍ لا يفهمُها المقصِّرون، ورموزٍ لا يَهتدي إليها المُشتغلون بأبواب الفقه، مع خلطِ تلك العبارات بشيءٍ من الرفْض يَفهمُه المقصِّرُ والكامل؛ فإذا نظر المقصِّرُون في كلامهم لم يَفهموا منه إلَّا ما فيه من الرفض، ولا يفهمون شيئًا مما عداه.