للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإنَّ في هذا وأمثالِه أعظمَ عبرةٍ للمعتبرين، وأجلَّ بصيرةٍ للمتبصِّرين، وأوضحَ قدوةٍ للمقتدين من العلماء المجتهدين.

وثبت أنه قال لعمرو بن العاص: «صَلَّيتَ بأصحابك وأنت جُنبٌ يا عمرُو؟»، فقال: سمعتُ اللَّه يقول: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [النساء: ٢٩]، فقرَّره النبيُّ ، وضحك، ولم يقُل شيئًا (١).

وهذا بابٌ واسعٌ يطول تعداده.

وهكذا التفكُّرُ في الكلِّياتِ الصادرةِ عمن أُعطيَ جوامعَ الكلم، وأفصحِ مَنْ نطق بالضاد؛ كقوله : «إنما الأعمالُ بالنيَّات» (٢)؛ فإن هذا اللفظَ الموجزَ والعبارةَ المختصَرةَ صالحةٌ للاستدلالِ بها على كلِّ جزءٍ من جزئياتِ الشرع، فتدخلُ ما حصلت فيه النيةُ في عِدادِ الأعمال المقبولة، ويخرجُ ما لم تحصُلْ فيه النيةُ إلى حيِّزِ الأعمالِ المردودة، وتصيرُ بها المباحثاتُ قرباتٍ وعبادات؛ أقلُّ أحوالِها الاندراجُ تحتَ حقائقِ المندوبات، ويَبطُل كثيرٌ من الصور الحاكيةِ (٣) لما هو من العبادات بفقدِ النية وعدم وجودها، أو وجودها لا على الوجه المعتبَر؛ وكقوله : «كلُّ بدعةٍ ضلالةٌ» (٤)، و «مَنْ غشَّنا فليسَ منَّا» (٥)، و «الحلالُ بيِّنٌ، والحرامُ بيِّن» (٦)، و «كلُّ أمرٍ ليسَ عليه أمرُنا فهو


(١) صحيح: رواه أحمد (٤/ ٢٠٣)، وأبو داود (٣٣٤)، والدَّارَقُطْني (١/ ١٧٨)، والحاكم (١/ ١٧٧)، وصحَّحه الشيخ شعيب الأرنؤوط، والشيخ الألباني.
(٢) صحيح: وقد تقدم ص (٢٤، ٢٥).
(٣) الحاكية: المشابهة.
(٤) صحيح: رواه أحمد (٣/ ٣١٠)، ومسلم (٨٦٧)، وأبو داود (٤٦٠٧)، والنسائي (١٥٧٨)، وابن ماجه (٤٢).
(٥) صحيح: رواه أحمد (٢/ ٢٤٢)، ومسلم (١٠١)، وأبو داود (٣٤٥٢)، والترمذي (١٣١٥)، وابن ماجه (٢٢٢٤).
(٦) صحيح: رواه أحمد (٤/ ٢٧٠)، والبخاري (٥٢)، ومسلم (١٥٩٩)، وأبو داود (٣٣٢٩)، والترمذي (١٢٠٥)، والنسائي (٤٤٥٣)، وابن ماجه (٣٩٨٤).

<<  <   >  >>