للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واستناب بها أخاه (١)، وكان ممرورا (٢) فصعد إلى أعاليها ونادى العدوّ، وقد أضجره، لتسليمها، فبادر وتسلّمها، وللوقت تسنّمها.

واستمرّت بيد الكفر إلى أن أتاحنا الله لارتجاعها، وأتى بنا فأثابنا باستنقاذها من يد الكفر وانتزاعها، فرحلنا إليها من كرسيّ مملكتنا بعساكرنا التي محت بياض النهار بكثرة سوادها، (وسواد الليل بنهار بيض سيوفها الهاجرة دون بلوغ العرض موطن أغمادها) (٣). وكاثرت الرمل في العدد. والشتاء قد زرّر جيوب الغيوم دون الشمس والقمر، وحجبها عن العيان بتكاثفها فلا عين لها ولا أثر. والثلوج قد أظلمت لبياضها المسالك، وقطعت الطرق دون السالك. والأمطار منسكبة كأفواه القرب، والجمال بثقل أحمالها بمرسل القطار قد حزّها القتب. والسّيول متوافية من جبال تلك الأودية، متراسلة من تلك الأندية. منصبّة / ١١٥ ب / على الخيام التي لم تكن في دفعها مجدية. والرعود ترعد منها الفرائص، والبروق تأتي في خطف الأبصار بالقوارص فالقوارص. لا الشمس تظهر فتصطلى جمرتها، ولا النار تشبّ فترى مع ما تكنّسه من بياض الثلوج حمرتها. وكلّ يد مضمومة، إلى جناحها مكفوفة. لا تستطيع أن تروض عنان الفرس فتردّها عن جماحها. وجنودنا غير ضجرة من طول هذه الشقّة، متلذّذة بتضاعف الأجر كيف والأجر على قدر المشقّة. لا يستوقفهم عن ذلك أمر مهول، ولا يثني عنانهم دون بلوغ السّول. ولا يتثبّتون في اقتحام مخاضه، ومن اعتاد خوض المنايا فأهون ما تمرّ به الوحول. ونحن في ساقتهم على عادتنا في اصطلاء حرّ (٤) الغزوات وبردها، لا نتحصّص عنهم في تجشّم صابها ولا بلذيذ شهدها. نتلقّا (٥) الواردات السمائية والأرضيّة


= ١٠/ ٤٥٢، ومرآة الزمان (مخطوط) ج ١٢ ق ٣/ ٢٦٠ أ، ب، وغيره. وتاريخ طرابلس ١/ ٤٢٥ وما بعدها، ولبنان من السيادة الفاطمية ٢٢١ وما بعدها. وفيهما مصادر أخرى.
(١) هكذا في الأصل. والصواب «ابن عمّه» وهو: «أبو المناقب محمد بن عبد الله بن عمّار» الملقّب بشمس الملك. أنظر: ذيل تاريخ دمشق ١٦٠، وأخبار مصر لابن ميسّر ٢/ ٤٣، والكامل في التاريخ ١٠/ ٤٥٢، وانظر: تاريخ طرابلس ١/ ٤٢٥ وما بعدها، ولبنان من السيادة الفاطمية ٢٢١ وما بعدها، وفيهما مصادر أخرى. ووقع في (تاريخ سلاطين المماليك ٢٤٧ «عمّه»).
(٢) ممرورا من المرية أي الجدل. ومرى يمري مريا حقّه: جحده. وانظر خبر خروج طرابلس عن ابن عمّار في: ذيل تاريخ دمشق، ومرآة الزمان، ونثر الجمان للفيّومي ٢ / ورقة ٣١٨ أحيث يصف ابن عمّ أمير طرابلس بالجنون. وانظر مصادر أخرى في: تاريخ طرابلس، ولبنان من السيادة الفاطمية.
(٣) ما بين القوسين عن الهامش.
(٤) في الأصل: «جرّ».
(٥) كذا. والصواب: «نتلقّى».

<<  <   >  >>