للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالرضى والتسليم، ويتساوى في عزمنا الصّبح البهيّ والليل البهيم. لا يهولنا البتّار، / ١١٦ أ / فكيف القطار، ولا العساكر، فكيف الليل العاكر. ولا العدوّ الطروق، فكيف لمعان البروق. ولا ترادف النصول، فكيف تهادي السّيول. ولا تصويب الرماح. فكيف هبوب الرياح. وهل ذاك عندنا إلاّ أهون ما يكون، وهل السّكون إلاّ ضدّ في (موطن الحركة) (١)، ولا شبهة في أنّ الحركة ضدّ السكون. ولم نزل نقدّ أديم الأرض سيرا حتى حللنا بساحتها {فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ} (٢). ونزلنا فقطعنا منهم الوتين. وحين خفقت أعلام نصرنا خفقت قلوبهم رعبا، وعلموا أنّا لا نثبت دون أن نأخذهم وثبا. وسقط في أيديهم (وخرس) (٣) من الرعب لسان معيدهم ومبديهم. وأغلقوا دون أرواحهم من الأسوار أبوابا، وهالهم ما شاهدوه وقال: {الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً} (٤). وخارت قواهم، وعلموا أنّ نار اقتداح زند سيوف النصر مأواهم. وللوقت أحطنا بهم البلا، وأسأنا لهم الابتلا. وصببنا عليهم عذاب حجارة المجانيق صبّا، (وراسلناهم بالسّهام مراسلة من غدى (٥) بصبّ دمائهم صبّا) (٦). وأريناهم / ١١٦ ب / بشدّة عزائمنا كيف يكون اقتلاع القلاع. وبتدقيق حيلتنا كيف التوصّل إلى نزع الأرواح من الأجساد من غير نزاع. وتنوّعنا في الفتك بهم، وبلغنا في تهيئة (٧) أسباب هلكهم دون مطلبهم. فمن نقوب مترادفة، وجفاتي (٨) تتبع الرادفة منها الرادفة، وصيحات منها قلوبهم يومئذ واجفة، وأمطرنا عليهم من المجانيق مطر السّوء، وأثرنا عليهم منها أقبح نوال (من النوء) (٩). وأصرنا عاليها سافلها، وبازغها آفلها، وطولها عرضها، وسماها أرضها،


(١) عن الهامش.
(٢) سورة الصافّات، الآية ١٧٧.
(٣) عن الهامش.
(٤) سورة النبأ: الآية ٤٠.
(٥) كذا. والصواب: «غدا».
(٦) ما بين القوسين عن الهامش.
(٧) في الأصل: «تهياة».
(٨) الجفاتي: مفردها: جفت. لفظ فارسيّ بمعنى زوج أو اثنان متشابهان. أطلق على نوع من أسلحة الصيد بسبطانتين، ويقصد به هنا فارسان متشابهان من حيث الشكل والعدّة التي يحمّلانها، على فرسين متشابهين أيضا، كانا يركبان بين يدي الخليفة في أوقات مخصوصة، حذرا من الوقوع في بعض الحفر أو الكمائن، واستمرّ هذا التقليد في العصرين الأيوبي والمملوكي. (صبح الأعشى ٢/ ١٣٤، حدائق الياسمين ٦٥، معجم الألقاب ١٢٤).
(٩) عن الهامش.

<<  <   >  >>