نفيسة ووصله بمال جسيم. وشكر له حسن مناصحته بألفاظ أرق من النسيم. وثبت مولانا السلطان لهذه الصدمة، وأظهر فيها حركة في سكون وهمّة وأيّ همّة. ثم طلب الكتّاب، فحضرنا بين يديه، وأمر على لسان كاتب سرّه الصاحب فتح / ٣٥ ب / الدين بن عبد الظاهر باستدعاء ورق الطير، وكان معي معدّا لمثل هذا المهمّ، محصّلا لوقوع مثل هذا الملمّ، فقلت: هو حاصل. فأملى على كاتب سرّه المذكور نسخة إلى سائر أمراء الشام ومقدّميها، ومفاردتها فأسرعت في تعليقها، وأعجلت القلم في توريقها.
واتّفق أنّ مولانا السلطان قال للصاحب فخر الدين ابن لقمان، وكان من أكابر الكتّاب، وأجلّ الأصحاب. وله هجرة صالحيّة، ومكاتبة صاحبيّة. إلاّ أنّه كان قد خمل ذكره في هذا الزمان، وتقدّم عليه الصاحب فتح الدين بإصابة رأي السلطان، قال له: يا فخر الدين اكتبوا لكلّ الأمراء، فانتهز فرصة المشاكلة، وظنّ أنه ربّما قامت عن الفرض النافلة، فقال للسلطان: لعلّ مرسوم مولانا يبرز بحضور بعض كتّاب الجيش ليعرّفنا أسماء الأمراء ومنازلهم. فبدرته بإخراج دستوري وسكّتّه، لا بل بكّتّه، لا بل بكّيته، وفتحت الدستور وأوريته. ومولانا السلطان ينظر أمراء مصر والشام ميمنتها وميسرتها، فقال / ٣٦ أ / له مولانا السلطان: إذا لم تعرف سل من يعرف. وشرعنا في الكتابة إلى كلّ بما مثاله؛ بعد الألقاب (١):
«إنّا قد بلغنا ما أنفق من وقته وساعته، وتولّت الملائكة الكرام الحفظة فضل إذاعته وإشاعته، من حديث سنقر الأشقر وتقفّزه، وتعاطيه وعدا لم يكن الله بمنجزه، وتسنّمه لذروة لا يستقرّ به قرارها، وتوثّبه على مملكة طال ما أجّجت ممّن سواه نارها، وتحقّقنا الصورة كما وقعت، والحالة كما توقّعت. وإنّ المجلس كان فيها مكرها لا بطل، وأنّه ما وسعه إلاّ الموافقة خوفا على نفسه وهو معذور، ومداراة للوقت ودخولا تحت القدر المقدور، وتيقّنا أنه معه صورة ومعنا معنّى، وأنه مصروف العنان إلى جهتنا تصريفا لا يثنى. كيف وما زلنا عليه بحسن المخالصة نثني ونثني. ونحن والله والله والله وتالله وتالله وتالله وبالله وبالله وبالله / ٣٦ ب / لم نشكّ في ودّه، ولا نرتاب في صحّة عقد عهده. ولا غيّرنا عليه مغيّر، ولا أثّر في قلبنا غير ما يعهده مؤثّر؛، فيشرح صدره، ويروّج سرّه. ويعلم أنه عمّا
(١) ألصقت هنا ورقة طيّارة فيها أحاديث شريفة وأقوال مأثورة لا علاقة لها بموضوع الكتاب.