للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نفسك لما ارتكبت هذه الخطّة، ولا حططت بها مروءتك هذه الخطّة. ولا قمت في وجه حقّنا ببطالك، ولا جازيت إحسانا النقد بمماطلك. وأنت تعلم كيف سافرت مع الملك السعيد وكيف عدت وكيف قربت من خمولك في أيامه وما بعدت، وما أجدى رأيك عليه وعليك، وما ساقته مناصرتك إليه وإليك. وأنّه كان أعلى رتبتك الحرمان / ٣٨ أ / وأنجز الإحسان إليك وعد باللسان، فلم ألبث أن قلّدتك الشام، وقلّدت عنقك بالأيادي الجسام، وأجزلت لك النائب، وفارقتك على أنك النائب، فتطاولت إلى نقل اسمك، والخروج عن رسمك. وكأنّي بك تقول إنّا قد افترقنا نائبين (وتقاسمنا المملكة) (١)، وما وجه الأولوية، وإنّ كلا الذّمّتين بما انتقلت إليه مليّه. وهو تحيّل لا شبهة في فساده، وتحيّل لا نكر لعناده، وأين (من) (٢) وقع عليه الإجماع مصرا وشاما، وخطبه له أولو الحلّ والعقد نقضا وإبراما. وعهد إليه أمير المؤمنين ومدّ له كفّ مبايعته. وكلّ على دعوته أسرع مؤمّنين، وأفاض عليه شعاره العبّاسيّ فتبسّم به ثغر (كل) (٢) مملكه، وأتاه كتابه فتلقّاه باليمين. سالكا في القبول مسلكه. وهل السابق كاللاّحق بابتداعه، وهل المجمع عليه كالذي قنع من نفسه لنفسه بإجماعه. ولو كان ما تلبّس به لا بل لبّس واستغنى به، وكأنّه به وقد أفلس بولاية لولايتنا لكان أفضل / ٣٨ ب / للمتقدّم قول ليس عن دعواه ثاني، وحسبنا في إراقة دمه، ما جاء عن النبي صلّى الله عليه وسلم من قوله: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الثاني».

هذا، وهي الخلافة المعظّمة، وإمرة المؤمنين المفخّمة، فكيف بفروعها المنحطّة عن قدرها، المندرجة تحت نهيها وأمرها. فخلّ عنك ما علّلت به (شره) (٢) نفسك، وتدارك بيوم رجوعك أمسك. واركب في سرجك، واسلك أوضح نهجك، ودع الإسلام وشمله الملتئم، والكلمة وتفرّدها الملتزم، واغمد سيف الفتنة من حيث سللت، وحلّ من مكان النيابة حيث حللت. وامح دعوى الكمال، بتلقّيك الكامل بيد تنصّلك. واجلب القلوب النافرة عنك، بما ألّف من قديم حسن توصّلك. ولا تظنّ بأنّ لمن حولك حول ولا قوّة لمناصرتك. ولا أنّ لهم نيّة في معاصرتك. وإنّما معك الصورة ومعنا المعنى، ولك من البعيد الشخص ولنا من القريب الأدنى. وإن كابرت


(١) عن الهامش.
(٢) كتبت فوق السطر.

<<  <   >  >>