النار في هشيم الحطب، عن طريق النظم المصرفية، فالمرابون الذين كانوا يتمثلون في الماضي في صورة أفراد، أو بيوت مالية، هم موجودون الآن في صورة بنوك تقدم الرِّبا لعملائها جهارًا في وضح النهار، ولذلك نشأت البنوك الإسلامية لترفع عن الأمة مصيبة الرِّبا، التي أضحت ظاهرة جلية في المجتمعات الإسلامية، وقد اجتهد المسؤولون عن تلك البنوك في ابتكار بدائل تكون خاضعة للقواعد والضَّوابط الشرعية، وتلبي حاجة الإنسان في هذه الحياة إلى السُّيُولة النَّقْديّة.
ولأن التطور سُنَّة الحياة، فإن البنوكَ الإسلامية قد تطورت، وتطورت معها صيغُ التَّمويل الذي تقدمه لعملائها، فنرى في الآونة الأخيرة بعض البنوك قد لجأت للتورق، باعتباره الطريق الناجح الذي يلبي حاجةَ الإنسان إلى السُّيُولة النَّقْديّة.
والتَّورُّق الذي تقدّمه المصارف لعملائها اليوم يختلف عن التَّورُّق الذي يمارسه الأفراد، والذي دار حوله خلاف بين العلماء قديمًا وحديثًا، ولذلك كان لا بُدَّ من إلقاء الضوء على عملية (التَّورُّق المصرفي) لمعرفة حكمها، وأثرها على مستقبل البنوك الإسلامية، وعلى الجوانب الاقتصادية لصيغ التَّمويل، التي تقدمها البنوك الإسلامية، فعملية التَّورُّق المصرفي نازلة حديثة، لا زالت محل نظر واجتهاد، تستوجب اجتهاد المجتهدين، لا سيما وأن استخدام هذه العملية
كان له أثر كبير في تقلص القروض الربوية في بعض البنوك، حيث انحسرت نسبة نشاطها إلى (٣٠ %)، واستحوذ التَّورُّق على (٧٠%)، وبزيادة مستمرة، فلابد من بيان حُكْم هذه العملية، وهل يصح فعلًا أن تكون بديلًا شرعيًا عن القروض الربوية؟.