للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رابعًا: موقف الحنابلة من التَّورُّق المصرفي:

يتَّضح موقفُ الحنابلة من التَّورُّق المصرفي بالأمور التالية:

١ - عرفنا فيما سبق -في حكم التَّورُّق الفردي- أن الإمامَ أحمد رُوي عنه ثلاثُ روايات في حكم التَّورُّق الفردي: الجواز، والكراهة، والتَّحريم، وقد سبق ذِكْرُ بعضِ أوجه الجمع بين هذه الروايات، ونريد هنا أن نذكرها باختصار، ونضيف وجهًا آخر، وهذه الأوجهُ هي على النحو التالي: أن الكراهة عند المتقدمين تفيدُ التَّحريم غالبًا تورُّعًا منهم عن إطلاق القول بالتَّحريم، فلا إشكالَ في رواية الكراهة، إذ يُرادُ بها التَّحريم، فيبقى وَجْهُ الجمع بين التَّحريم والجواز، وهو على النحو التالي:

أ- من المعلوم أن مَنْعَ الحِيَل من أصول الإمام أحمد، يقول ابنُ قدامة: "قد ثبت من مذهب أحمد أن الحِيَلَ كلها باطلة" (١)، والتَّورُّق حيلةٌ بلا ريب، وإنما وقع الخلافُ هل هو حيلة جائزة أم ممنوعة، وبهذا تكون روايةُ التَّحريم مبنيةٌ على قوله بمنع الحِيَل التي يُعَدُّ التَّورُّق من صورها، بينما يمكن حمل رواية الجواز على حالة الضَّرورة حينما يضطرُّ الشخص إلى نقود، ولا يجد من يقرضه.

ب- ويمكن الجمعُ بين الروايتين بوجه آخر، وهو: أن روايةَ التَّحريم تحمل على ما كان من أهل العِيْنَة (٢)، بمعنى أن المُتَوَرِّق إذا ذهب إلى أهل العِيْنَة لكي يتَّورُّق منهم، فإن هذا محرَّم عند الإمام أحمد؛ لأنَّ أهل العِيْنَة عُرف عنهم أنهم لا يبيعون إلا بنسيئة، فكون المُتَوَرِّق يذهب إلى أهل العِيْنَة، ويتَّورُّق منهم، فإن هذا قرينة تدلُّ على تواطؤ البائع والمشتري على النَّقْد بالنَّقْد، وبهذا يكونُ الإمامُ أحمد موافقًا للمالكية، حيث عدّوا التَّورُّق مع أهلِ العِيْنَة ممنوعًا،


(١) المغني لابن قدامة (٤/ ٧٤).
(٢) انظر: التَّورُّق والتَّورُّق المنظم. سامي السويلم (٦٥).

<<  <   >  >>