للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- صلى الله عليه وسلم - لمَّا أمره بهذا عرفنا أنَّ المقصودَ هو استعمالُ الطَّريق الشَّرعي النزيه، والبعيد عن الاحتيالِ.

الدليل الثالث: أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وَرَدَ عنه استعمالُ المعاريض، وهي حيلةٌ في الأقوال، ومن ذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - لقي طليعةً للمشركين وهو في نَفَرٍ من أصحابه، فقال المشركون: ممن أنتم؟ فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: "نحن من ماء" (١).

وجه الاستدلال:

أن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - أراد بقوله (من ماء) قوله تعالى: {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} (٢) وهذه حيلةٌ للتخلُّصِ منهم.

وقد نُوقش هذا الاستدلال:

أنَّ هذا النَّوعَ من المعاريض جائزٌ، إذ يتخلَّص به الإنسانُ من الظُّلم ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك ليتخلَّص من ظُلْمِهم وشرِّهم، ثم إنَّ المعرِّض لو صرَّح بقصده لم يكنْ مرتكبًا لمحرم، بخلافِ المحتالِ، فإن قصده الظلم، وانتهاك المحرم، والتعريض لا يدلُّ على جَوازِ الحِيَلِ، إذ هو أسلوبٌ من أساليبِ الكلام في اللغةِ العربيةِ يُستعملُ لأسبابٍ عديدةٍ ذكرها أهلُ اللغة، وليس موضوعًا للحيلِ فقط.

• أدلةُ القائلين بمنع الحِيَل:

الدليلُ الأولُ: قَولُه تعالى: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} (٣).

وقَولُه تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} (٤).


(١) انظر: إعلام الموقعين (٣/ ١٩١).
(٢) سورة الطارق آية (٦).
(٣) سورة البقرة آية (٩).
(٤) سورة النساء آية (١٤٢).

<<  <   >  >>