المسألة الثالثة: الفرقُ بين التَّوَرُّق والعِيْنَة:
يمكنُ التفريقُ بين التَّوَرُّق والعِيْنَة في أربع نقاط:
١ - من المعلوم أنهما يختلفان عن بَعْضِهما في الحُكْم، فجمهورُ العلماء يرون جوازَ التَّوَرُّق كما سيأتي، في حين أن العِيْنَة محرَّمةٌ عندهم.
٢ - هناك فَرْقٌ بينهما في طبيعةِ المعاملة: فإنَّ العِيْنَة تقعُ بين طرفين، فالبائعُ يبيعُ السِّلْعة بثمن مؤجَّل، ثم يقومُ المشتري ببيعها على البائع نفسه بثمنٍ أقلّ نقدًا، وأما التَّوَرُّق فالمشتري الثاني ليس البائع نفسه، وإنما يبيعُ المشتري الأول السِّلْعة إلى طرفٍ ثالثٍ لا علاقة له بالبائع الأول، فالتَّوَرُّقُ عقدان منفصلان فيهما ثلاثةُ أطراف.
٣ - للمزيد من الإيضاح نركِّزُ في هذه النقطة على دَوْرِ البائع الأول في التَّوَرُّق والعِيْنَة، فالبائعُ الأولُ لا يعلمُ بمراد الْمُتَوَرِّقِ في عَمَلِيَّة التَّوَرُّق، في حين أنه يعلمُ ذلك في بيع العِيْنَة، ولا يتجاوزُ دورَ البائع الأول في التَّوَرُّق من أنه يبيعُ سلعته إلى أَجَلٍ بثمنٍ أكثر من ثمنِ السُّوق، وهذه الزيادةُ هي مقابلُ الأجل، وهذا أمرٌ مشروع، ثم لا علاقةَ له بما يفعلُ المشتري بالسِّلْعة بعد الشراء، وأما في العِيْنَة فإنَّ البائعَ الأولَ بعد بيعِ السِّلْعة بثمنٍ مؤجَّل يقومُ بشرائها بثمنٍ أقلّ نقدًا، وبهذا يكونُ البائعُ الأولُ طرفًا في العقد الأول والثاني.
٤ - إذا تأمَّلْنا حقيقةَ الرِّبا، فإننا نلحظُ أن الرِّبا لا يتحققُ إلا إذا كان دافع الأقل، وآخذ الأكثر شَخْصًا واحدًا، فالمرابي يدفعُ مئة، ثم يأخذُها مئة وعشرين وهذا متحققٌ في العِيْنَة، فإن البائعَ الأولَ يدفعُ نقدًا أقل، ثم يأخذُ هو بعينه الثمن المؤجَّل الأكثر، فكان دافعُ الأقل وآخذُ الأكثر شخصًا واحدًا، وأما التَّوَرُّق فقد اختلف الدافعُ والآخذُ اختلافًا يدفعُ شبهة الرِّبا، فالبائعُ الأول في التَّوَرُّق إنما يأخذُ الثمنَ المؤجَّل فقط، ولا يدفعُ شيئًا، وإنما الذي عليه الدفعُ